معين الطالب في علوم البلاغة،

محمد أمين الضناوي (معاصر)

الأسلوب الأدبي

صفحة 17 - الجزء 1

  أما التشبيه الذي يُقصد به تقريب الحقائق إلى الأفهام وتوضيحها فهو مقبول إلى حد ما.

الأسلوب الأدبي

  الأسلوب الأدبي من أجمل الأساليب وأرقها وأكثرها خيالاً وعمقاً، وليس بحاجة إلى أن يخاطب العقل، ويناجي الفكر، بل هو بحاجة إلى مخاطبة العاطفة والمشاعر أكثر.

أهم مميزات الأسلوب الأدبي

  من أهم مميزات الأسلوب الأدبي الجمال، والخيال الواسع الرائع، وتصوير دقيق، وتلمس لوجوه الشبه البعيدة بين الأشياء، وإلباس المعنوي ثوب المحسوس، وإظهار المحسوس في صورة المعنوي، ويجوز فيه استعمال المحسنات، والبديع، وفنون الخيال.

  من أمثلة هذا الأسلوب قول المتنبي هو الذي لا يرى الحُمَّى الراجعة كما يراها الأطباء أثراً لجراثيم تدخل الجسم، فترفع حرارته، وتُسبب رغدة وقُشَعْرِيرةً. حتى إذا فرغت نوبتها تصبب الجسم عَرَقاً، ولكنه يُصوّرها كما تراها في الأبيات الآتية:

  وَزَائِرتي كأَنَّ بها حياءً ... فَلَيْس تَزُورُ إلا في الظَّلام⁣(⁣١)

  بذلتُ لَها المَطَارف والحَشَايَا ... فعافتها وباتت في عظامي⁣(⁣٢)

  يضيق الجلد عَنْ نَفْسِي وعنها ... فتوسعه بأنواع السَّقَام⁣(⁣٣)

  كأنَّ الصبح يطردها فتجري ... مَدَامِعُها بأربعة سجام

  أراقب وقتها مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ ... مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ الْمُسْتهام⁣(⁣٤)

  ويصدقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ ... إذا ألقاك في الكُرَب العظام⁣(⁣٥)

  أبنت الدَّهْرِ عِنْدِي كلُّ بنتِ ... فكيف وصلتِ أنتِ من الزحام؟⁣(⁣٦)


(١) الواو: واو رب أي رب زائرة لي، يريد بها الزائرة الحمى، وكانت تأتيه ليلاً، يقول: كأنها فتاة ذات حياء، فهي تزورني تحت سواد الليل.

(٢) المطارف: جمع مطرف، كمكرم وهو رداء من خز، الحشايا: جميع حشية وهي الفراش المحشو. وعافتها: أبتها. يقول هذه الزائرة أي الحمى لا تبيت في الفراش، وإنما تبيت في العظام.

(٣) يقول: جلدي يضيق عن أن يسع أنفاسي ويسعها، فهي تذيب جسمي، وتوسع جلدي بما تصيبه به من أنواع السقام.

(٤) يقول: إنه يراقب وقت زيارتها خوفاً لا شوقاً.

(٥) يريد بوعدها: وقت زيارتها، ويقول: إنها صادقة الوعد لأنها لا تتخلف عن ميقاتها، وذلك الصدق شر، لأنها تصدق فيما يضر.

(٦) يريد ببنت الدهر: الحمى وبنات الدهر شدائده، يقول للحمّى: عندي كل نوع من أنواع الشدائد، فكيف لم يمنعك ازدحامهن من الوصول إلي؟.