معين الطالب في علوم البلاغة،

محمد أمين الضناوي (معاصر)

خروجه عن مقتضى الظاهر

صفحة 36 - الجزء 1

  وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥}⁣[المؤمنون].

  وقال حَجَل بن نَضْلَةَ القيسي:

  جاءَ شقيق عارضاً رمْحه ... إِنَّ بَني عَنْكَ فِيهِمْ رِماح

  - وقال تعالى يخاطب مُنْكِري وَحْدَانيه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}⁣[البقرة: ١٦٣].

  - «الجهل ضار». يقال لمن لا يعترف بضرر الجهل.

  الشرح:

  المثال الأول: تجد المخاطب خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين، وكان مقتضى الظاهر على هذا أن يُلْقَى إليه الخبر غير مؤكد، ولكن الآية الشريفة جاءت بالتوكيد، فما سبب خروجها عن مقتضى الظاهر؟

  السبب أن الله سبحانه لما نهى نوحاً عن مخاطبته في شأن مخالفيه دفعه ذلك إلى التطلع إلى ما سيصيبهم، فنزل لذلك منزلة السائل المتردد، أحكِمَ عليهم بالإغراق أم لا؟ فأجيب بقوله: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ٣٧}⁣[هود].

  المثال الثاني: فإن المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} غير أن هذا الحكم لما كان مسبوقاً بجملة أخرى وهي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}.

  وهي تشير إلى أن النفس محكوم عليها بشيء غير محبوب، أصبح المخاطب مستشرفاً متطلعاً إلى نوع هذا الحكم، فنزل من أجل ذلك منزلة الطالب المتردد، وألقي إليه الخبر مؤكداً.

  المثال الثالث: تجد المخاطبين غير منكرين الحكم الذي تضمنه قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ١٥}، فما السبب إذاً في إلقاء الخبر إليهم مؤكداً؟

  السبب ظهور أمارات الإنكار عليهم، فإن غفلتهم عن الموت وعدم استعدادهم له بالعمل الصالح يُعدّان من علامات الإنكار، ومن أجل ذلك نزلوا منزلة المنكرين وألقي إليهم الخبر مؤكداً بمؤكدين.

  وكذلك الحال في قول حجل بن نضلة، فإن شقيقاً لا ينكر رماح بني عمه، ولكن مجيئه عارضاً رمحه من غير تهيؤ للقتال ولا استعداد له، دليل على عدم اكتراثه.