النداء
  الشرح:
  تأمل المثل الأول تجد أن الشاعر يرثي ابنه، وهو بعيد عنه، ولكنه ناداه بالهمزة الموضوعة للقريب تنبيهاً على أنه قريب من قلبه، بل هو. مالك فؤاده، فكأنه حاضر الجثمان، ليس ببعيد عن العيان.
  ومعروف الرصافي في المثال الثاني يقول بلسان الأرملة المرضع إنه سمعها تتضرع إلى الرب الجليل فتناديه بـ (يا) المستعملة لنداء البعيد مع أنه قريب ليس ببعيد.
  وذلك للإشعار والدلالة على أن المنادي رفيع القدر عظيم الشأن فجعل بعد المنزلة كأنه بعد في المسافة، من أجل ذلك اختار الشاعر في ندائه الحرف المستعمل لنداء البعيد.
  أما الفرزدق في المثال الثالث فيعتقد أن مخاطبة جريراً منحط الدرجة وضيع الشأن، فكأن بعد درجته في الانحطاط بعد في المسافة.
  والبارودي في المثال الرابع يشير إلى أن السامع غافل ذاهل، كأنه غير حاضر معه في مجلسه.
  وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلي، وهو طلب الإقبال إلى معان تستفاد من القرائن، ومن هذه المعاني:
  ١ - التَّحسّر، كقول حافظ إبراهيم في الرثاء:
  يا دُرَّةٌ نُزِعَتْ مِنْ تاج والدها ... فأصبحتْ حِلْية في تاجِ رِضْوانِ(١)
  ٢ - التحيّر والتضَجّر كقول الجارمِ في رثاء إسماعيل صبري:
  صادحَ الشرق قد سَكَتَ طويلاً ... وعزيز عليه ألا تقولا
  ٣ - الندبة كقول حافظ أيضاً:
  فوالهفي والقبر بيني وبينه ... على نَظْرَةٍ من تلكُمُ النَّظَراتِ
  ٤ - الإغراء: كقولك للجندي المترددِ في الدفاع، يا شُجَاعُ تَقَدَّم.
  ٥ - الزجر، كقول الشاعر:
  يا قَلْبُ وَيْحَكَ ما سَمِعْتَ لناصح ... لَمَا ارْتَمَيْتَ، ولا اتَّقَيْتَ مَلامَا
(١) رضوان: هو خازن الجنة.