المساواة
  فنلاحظ من هذه الأمثلة الثلاثة أن المعاني فيها قد زادت على ألفاظها، وهذا النوع من الإيجاز يسمى «إيجاز قصر». وتأمل الأمثلة الثلاثة الأخيرة (د، هـ، و) تجد أن كل مثل قد حذف منه كلمة أو جملة أو أكثر، فبيت امرئ القيس في المثل الرابع قد حذفت منه «لا» قبل «أبرح» والمثل الخامس قد حذفت منه جملة بعد «وإن يُكذبوك» فلا تَجْزَع «فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ»، والمثل السادس قد حذفت منه عدة جمل هي: لَمّا رأى مَلِكَ مِصْر الريان بن الوليد رؤيا، فقال: «أرسلون» إلى يوسف لأستعبره الرؤيا، ففعلوا فأتاه، وقال له: «يا يُوسُفُ أيّها الصّديقُ».
  وهذا النوع من الإيجاز يسمّى «إيجازَ حَذْفٍ» ولا بد فيه من قرينة تدل على المحذوف تفهم من سياق الكلام، كما رأيت، والداعي إليه طلب الاختصار، وتحصيل المعنى الكثير في اللفظ القليل، على شريطة أن يكون وافياً بالمراد، وإلا عُد حذفاً مخلاً رديئاً، كقول الحارث ابن حلزة اليشكري:
  والعيش خير في ظلا ل ... النُّوك(١) ممن عاش كدا
  يريد الشاعر أن يقول: إن العيش الناعم الرغيد، في ظلال الحمق خير من العيش الشاق في ظلال العقل، ولكن ألفاظ كلامه لا تدل على هذا إلا بعد التأمل وإنعام النظر.
المساواة
  أمثلة للشرح:
  أ - جاء في كتاب الله الكريم: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ٢١}[الطور].
  ب - الضَّعِيفُ أَمِيرُ الرَّكْبِ.
  ج - كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ.
  الشرح:
  تأمل هذه الأمثلة الثلاثة تجد أن الألفاظ في كل منها قد تساوت مع المعاني، بحيث لا يزيد اللفظ على المعنى المراد، فلو أنقصت أو زدت في اللفظ لتطرق الخلل إلى المعنى بمقدار النقصان أو الزيادة، فكأن الألفاظ قوالب للمعاني.
  ويسمى الكلام على هذا النسق «مساواة».
(١) النوك: بضم النون وفتحها: الحمق.