معين الطالب في علوم البلاغة،

محمد أمين الضناوي (معاصر)

1 - تنافر الكلمات

صفحة 10 - الجزء 1

  لكن الجدير بالذكر أن البلاغة فنّ قبل كل شيء يعتمد على صفاء الاستعداد الفطري، ودقة إدراك الجمال، وتحديد الفروق الخفية بين صنوف الأساليب.

  إن من أهم أسباب تكوين الذوق الفنّي وتنشيط المواهب الفاترة، هو المرانة التي تساهم في شحذ الفكر واتساع آفاقه.

الكلام الفصيح

  نعني بها سلامته من كلّ ما قد يجعله صعب الفهم، غامض المغزى، وهذا يكون من الأسباب الثلاثة التالية:

١ - تنافر الكلمات

  تنافر الكلمات هو صفة تعرض للكلمات، فتوجب ثقلها، واضطراب اللسان عند النطق بها. وذلك لأسباب ثلاثة أيضاً:

  أ - تكرار حرف أو حرفين من كلمة في الشعر أو النثر، وذلك في قول الجاحظ⁣(⁣١):

  وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر

  وقد قيل: إن هذا البيت من الصعوبة بمكان بحيث لا يستطيع أحد إنشاده ثلاث مرات متواليات دون أن يتردد أو يتلعثم أو يتَتَعْتَع⁣(⁣٢).

  وعلى ذلك مثال آخر للشاعر أبي تمام:

  كريم، متى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ والورى ... معي، وإذا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدي

  نلاحظ في المثالين السابقين أن اجتماع الكلمات وقرب مخارج حروفها، يحدثان ثقلاً ظاهراً، مع أن كل كلمة منه لو أخذت وحدها كانت غير مستكرهة ولا ثقيلة.

  ب - إيراد أفعال يتبع بعضها بعضاً دون عطف، ولو اختلف بين الماضي والمستقبل كقول الأرجاني يصف الشمع، وكأنّه يقول بلسانه (أي الشمع): إنّه ألفَ العسل، وهو أخوه الذي تربى معه، لكنّ النار فرقت بينه وبينه وأنّه نذر أن يقتل نفسه بالنار أيضاً من ألم الفراق:

  بالنار فرقتِ الحوادِث بينا ... وبها نَذَرْتُ أَعُودُ أقتُلُ رُوحي


(١) لعل هذا البيت موضوع على الجاحظ، وهو من الرجز، ولا يعرف قائله.

(٢) يتمتع: تعتع في الكلام تردد فيه من حصر أو عي. [القاموس المحيط، مادة: تعتع].