[صفات الملوك]
[صفات الملوك]
  فإن كل من اشتهر بالرئاسة في جاهلية أو إسلام، على اختلاف ملل الكفر ونحل الإسلام، وإن نُقم عليه في بعض صفاته فإن له صفات يمدح بها، وينوه بذكرها، دينية أو دنيوية، فلقد كان ملوك الروم وملوك الفرس وغيرهم بالصفات التي يعزّ نظيرها في ملوك الإسلام حتى كانت تهديهم عقولهم إلى خير الدنيا والآخرة، ولقد طبق ذكر صفاتهم الآفاق، ومليت الكتب بما سودت الأوراق، ونحن نشير إلى شيء من ذلك يستدل به على وفور عقولهم، وعلو هممهم، فمن ذلك ما كتبه أزد شبر ابن بابك مما جعله رسماً يحتذي به ملوكهم، ومن يخلفه من عقبه وذكر الكتاب ابن أبي الحديد مستوفاً، ونحن نذكر مضمون ما أشار إليه لطوله فكان مفتحة قوله: اعلموا أن الملك والدين توأمان فالدين أسٌّ والملك حارس، فما لا أسُّ له مهدوم، وما لا حارس له ضائع معدوم.
  ومنه أن الملك لا ينبغي له أن يفرغ عن النظر في التدبير وأن يبادر غيره إلى فعل ما يمدح به كي لا يصرف الناس عنه ذلك الغير حتى يتصف بصفات الكمال، وأنه لا ينبغي للملك أن يغضب فإن الغضب مذلة، وأن ينفق تارة حتى يقال مسرف، ويمسك حتى يقال مقتر، وأن يبادر الفرصة حتى يقال طائش، ويستعمل الأناة حتى ينسب إلى العجز، كل ذلك بحسب ما يقتضيه الحال، وأنه لا ينبغي له أن يخلف الوعد، وأن يكتم السر، فلا يبديه إلا عند إمضائه، وأن يقرب البريء ويدنيه، ويُقصِي المذنب ويبعده، ويثيب المحسن ليزداد في إحسانه، ويعاقب المذنب لينزجر إن لم يره للعفو عنه أهلاً، ولا يواخذ بالزلة.