[صفات الملوك]
  ومنها في صفة الملك أنه ينبغي أن يكون كاملاً غير سخيف العقل، ولا فائل(١) الرأي، ولا جبان، ولا بخيل، ولا مطعون عليه في الدين، ولا ناقص الجوارح إلى آخر ما ذكره.
  ومنها ما كتبه أرسطا طاليس للإسكندر وقد أمره أن يجعل له مرسوماً يتخذه قدوة في تدابيره وتصاريف أوامره ونواهيه، فكتب إليه مجيباً عن استمرار ذلك بقوله: أما بعد فإنه لا قوة بالمنطق وإن احتشد الناطق فيه واجتهد في تثقيف معانيه، وتأليف حروفه ومبانيه، على الإحاطة بأقل ما تناله القدرة من بسطة علوّ الملك، وسمو ارتفاعه من كل قول، إبرازه عن كل وصف، واعترافه لكل طناب، وقد كان تقرر عندي من مقدمات أعلام فضل الملك في مهلة سبقت وبرز شأوه ويمن نفسه إذا دب إلى حاسة بصري صورة شخصة واضطرب في حسن سمعي حسن لفظ أيام كنت أودي إليه من تكلف تعليمي إياه ما أصحت قاضياً بالحاجة إلى تعليمه منه ومهما تكن مني إليه فإنه عقد مردود إلى عقله مستنبط من علمه، إلى أن قال في نصيحته: وأن للكل تربة لا محالة قسمة من الفضائل، وأن لفارس قسماً من النجدة والقوة، وإنك إن تقتل أشرافهم تخلف السفل وتورثهم منازلهم ولم يبتلَ الملوك ببلاء أعظم من تسلط السفل، فاحذر كل الحذر من أن تمكن لتلك الطبقة، واعتمد إلى من عندك من ملوكهم، فوزع بينهم مملكتهم، واجعل ذلك باسمك ورسمك وأنه لا بد أن ينشأ بينهم من الضعف والمنافسات ما ينسيهم الحقد عليك، وتضطرهم إلى طاعتك، ويتقرب كل فرد منهم إليك، بما ترى له الفضل على غيره، إلى آخر كلامه تركناه اختصاراً.
(١) فائل الرأي: ضعيفة.