الباب الثالث في أمهات مسائل من أصول الدين لا يعذر في جهلها أحد من المكلفين على سبيل الجملة والاختصار
  وقد صح عند أهل الإسلام قوله ÷ «القدرية مجوس هذه الأمة» وفي الحديث «وهم خصماء الرحمن وشهود الزور وجنود إبليس» وهذه الأوصاف صادقة عليهم، أما خصومة الرحمن فإذا احتج على العصاة قالوا أنت الذي خلقت فيهم العصيان، وأما شهادة الزور فإذا خاطب الله الشياطين بما أضلوا عباده قالوا أنت الذي أضللتهم، فلا يجدون شاهدا إلا هذه الفرقة ومن شابه قولها من المجوس، وأما كونهم جنود إبليس(١) فهم الذين يتعصبون له في قوله {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الأعراف: ١٦] وقد قال ÷ «صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي وهم القدرية والمرجئة.
  قيل: ومن القدرية؟ قال: قوم يعملون المعاصي ويقولون إنَّ الله قدرها عليهم.
  قيل: ومن المرجئة؟ قال: الذين يقولون أنَّ الإيمان قول بلا عمل» وهذا صريح في أنهم هم القدرية، وقد روي غيره في هذا المعنى جنبنا الله الوبال ومراتع الضلال.
  المسألةالرابعة: أن الله تعالى لا يكلف أحداً من عباده مالا يطيقه؛ لأنه قبيح، وقد ثبت أن الله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] والوسع دون الطاقة.
  المسألة الخامسة: أنَّ الله تعالى لا يثيب أحد إلا بعمله ولا يعذبه إلا بذنبه؛ لأن إثابة من لا يستحق الثواب تعظيم له وهو قبيح لا يجوز على الله تعالى، وتعذيب من لا ذنب له قبيح أيضاً لأنه ظلم والله تعالى لا يجوز عليه القبيح والظلم بحال، وقد قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ٣٩}[النجم] وقال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] وغيرها.
(١) في نسخة: فلأنهم.