الباب الثالث في أمهات مسائل من أصول الدين لا يعذر في جهلها أحد من المكلفين على سبيل الجملة والاختصار
  فإن قيل: قد خصصت عمومات الوعيد بأهل الصغائر وبالتائبين قطعاً لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١] الآية ونحوها، وقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}[طه] الآية ونحوها.
  قلنا: صحيح فيجب العمل بالخاص فيما تناوله وبالعام فيما بقي.
  فإن قيل: دلالة العموم بعد التخصيص ظنية.
  قلنا: لا نسلم وهلم الدليل، وليس إليه من سبيل، ولنا التبرع ببيان مسند المنع وهو أن يقال الأصل القطع في كلما جاء عن الله تعالى ورسوله لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧] وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}[النور] ولم يفصل بين عام ولا خاص، وإنما خصص العمومات في مسائل الفروع الإجماع ومسائل الأصول باقية على حكمها، ودليل آخر وهو إجماع أهل البيت $ على القول بخلود أهل الكبائر وإجماعهم حجة قطعية كما هو مذكور في مواضعه، بل هو حجة الإجماع.
  فإن قيل قد قال تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزُّمَر: ٥٣] الآية وغيرها.
  قلنا: مجمله وآيات التوبة مبينة والواجب الرجوع إلى المبين، أو مطلقة مقيدة بها والواجب الحمل على المقيد أو عامة مخصصة والواجب بناء العام على الخاص، وقد قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ٥٤}[الزمر] وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف] وكذلك سائر الآيات الكريمة.