الموضع الثاني: في الجهاد
الموضع الثاني: في الجهاد
  اعلم أن فريضة الجهاد هي الفريضة العظمى، والطاعة الكبرى، فريضة تقام بها الفرائض، وتحيى المسالك والموارد، وهي طريقة الأنبياء، وخلفهم الأتقياء، والقائم بها معهم جنود الله، والتارك لها من دون عذرٍ في كل زمان يعد من أعداء الله، وقد اختصت الزيدية بفريضة الجهاد على الحقيقة دون غيرهم من سائر الفرق، لا يشاركهم فيها مشارك، وغيرهم يجاهد للدنيا، وإن زعم أن جهاده للدين، بقتال الكافرين المعتدين، فلا جهاد له في الحقيقة لفساد عقيدته وأصل دينه، بخلاف الزيدية أهل العدل والتوحيد، وأتباع أئمة الحق، فهم طائفة الحق وأنصاره، دعاة الصدق، أرباب العقائد الصحيحة، وأن الدين النصيحة، وقد ورد في تفسير قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الفتح: ٤] جنود السماوات الملائكة، وجنود الأرض الزيدية(١)، واختصت الزيدية بالزهد في الدنيا، لما كان الجهاد روحه وسنامه، بذلوا النفس والنفيس في كل الأحوال، في طاعة الله ذي القوة والجلال، ورفضوا الرغائب الفانية، واختاروا الدار الباقية، وما عند الله خير للأبرار، وهو يخلق ما يشاء ويختار، وغيرهم حريص على نفسه وماله، في حاله ومآله، لا يحب فراقه ولا تغير حالته، ولهذا تراهم يعادون أولياء الله من آل محمد وأتباعهم ويوالون الأشقياء من الأضداد {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٨١}[الأنعام].
  ولما دعونا الأمة إلى رشادها، وامتاز بفضل الله أهل صلاحها من أهل فسادها، وظهرت لنا الحجة، ووضحت المحجة، وأصلح الله بحميد سعينا - تحدثاً بنعمة الله - جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، ولا يضرنا من كابر أو جحد، فذلك {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا
(١) روى هذه الرواية الإمام المنصور بالله # في الشافي (ج ٢/ ٣٢٢).