[تحقيق حال الباطنية]
  النور وأن جوهر النور حسن طيب الريح والعكس في الظلمة، كما قالوه في النفوس الصاعدة وبضده في النفوس المقهقرة الهابطة، وأخذوا من مذهب المجوس وهو أصلهم أن العقل مشبه بالشمس والإنسان بالقمر، ولهذا قالوا بإلاهية النفس الجزئية الإنسانية والمجوس شبهوا النار بالشمس لما خفيت عليهم بالليل فعبدوا المشبه النار على جهة الاستمرار، وإلا فالمجوس هم عباد الشمس أصالة قال الله تعالى حاكياً: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦}[النمل].
  وتشبيه قدماء المجوس للنار بالشمس موافق لأصلهم الفلسفي وهو أن نور الشمس والنار والكواكب ذاتي، ونور القمر عرضي مستفاد من نور الشمس، فلا وافقوا قدماءهم المجوس عبدة النيران ولا قالوا بما ورد به القرآن {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ}[يونس: ٥]، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ١٦}[نوح].
  عن ابن عباس وابن عمر (أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض)، وقولهم: إن النفس الجزئية شفافة تنطبع فيها صور الأعمال الصالحة في ذات الناطقة، وصور الأعمال الباطلة في ذات النفس المظلمة الجاهلة، كما أن جرم القمر مظلم وسطحها شفاف مصقول كالمرآة التي تنطبع فيها الصورة.