حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الباب الثالث من الكتاب في ذكر أحكام ما يشبه

صفحة 518 - الجزء 2

  وكأن البرق يُكِلُّ الوقت بدوامه فيه، كما يقال: «أتْعَبْتَ يَوْمَكَ»، أو بأنه إنما استشهد به على أن «فاعلاً» يُعْدَل إلى «فعيل» للمبالغة، ولم يستدل به على الإعمال، وهذا أقرب، فإن في الأول حَمْل الكلام على المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة، وقال ابن مالك في قول الشاعر [من البسيط]:

  [وَنِعْمَ مَزْكَأ مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ] ... وَنِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٌ وإِعْلَانِ

  يجوز كون «مَنْ» موصولة فاعلة بـ «نِعْمَ»، و «هو»: مبتدأ خبره «هو» أخرى مقدرة، و «في»: متعلّقة بالمقدّرة، لأن فيها معنى الفعل أي: الذي هو مشهور، انتهى.

  والأولى أن يكون المعنى الذي هو مُلازم لحالةٍ واحدةٍ في سر وإعلان؛ وقَدَّرَ أبو علي «مَنْ» هذه تمييزاً، والفاعل مستتر، وقد أجيز في قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ}⁣[الأنعام: ٣] تَعلَّقُهُ باسم الله تعالى وإن كان علماً، على معنى


  أكل بمعنى أتعب لا من كل وحينئذ فيكون متعدياً والمعنى حتى سبقها برق أكل أي أتعب نصف الليل وإيقاع الإتعاب على نصف الليل مجاز عقلي في النسبة الإيقاعية كما أن إسناد الإكلال أي الإتعاب للبرق مجاز عقلي وحقه أن يسند للعاقل فعلى هذا الجواب فيه مجازان عقليان قوله: (وكان البرق الخ) أي: وإيقاع الإكلال على الوقت مجاز عقلي وكأن البرق يتعب الوقت أي إلى نصف الليل بسبب دوامه أي ترداده فيه. قوله: (وهذا أقرب) أي: الجواب الثاني وهو انه استشهد به على أن فاعلاً يعدل به إلى فعل. قوله: (فان في الأول) أي: في الجواب الأول. قوله: (حمل الكلام على المجاز) أي: بخلاف الثاني فإنه ليس فيه مجاز واعترض بأن المجاز لازم مطلقاً إذ التعب والأتعاب لا يسندان للبرق ولا يقعان على الوقت إلا مجازاً والجواب أنه على الجواب الأول فيه مجازان عقليان الأول إسناد الإتعاب للبرق والثاني إيقاع الإتعاب على الوقت بخلاف الثاني فإن فيه مجازاً عقلياً فقط وهو إسناد التعب للبرق ووقوعه في الوقت لأنه عليه لا مجاز فيه، قال الشمني والأحسن أن يراد بالمجاز خلاف الأصل لأن كون كليل بمعنى مكل من أكل خلاف الأصل لأن الأصل أخذ فعل من الثاني لا من غير والأصل كونه من كل والمراد بالحقيقة الأصل اهـ تقرير دردير.

  قوله: (مع إمكان حمله على الحقيقة) أي: كما في الجواب الثاني. قوله: (خبره هو أخرى مقدرة) أي: والجملة صلة، وقوله وفي متعلقة بالمقدرة هذا هو محل الشاهد. قوله: (والأولى أن يكون الخ) أي: الأولى أن يفسر هو الثانية بملازم لحالة واحدة أي ليس عنده نفاق، وإنما كان أولى لأن مشهور لا يناسب السر وعلى كل حال فالظرف متعلق بهو الثانية لأنها. التي فيها معنى الفعل قوله: (والفاعل مستتر) أي: وهو مبتدأ محذوف خبره والطرف متعلق بذلك الخبر أي والمعنى نعم هو شخصاً أي نعم الممدوح شخصاً هو ملازم لحالة واحدة في سر وإعلان قوله (على معنى) متعلق بقوله تعلقه أي أنه متعلق به