حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

أحدها: أن العطف لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر

صفحة 16 - الجزء 3

  وقال الزمخشري في {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}⁣[المائدة: ٩٧]: إن {الْبَيْتَ الْحَرَامَ} عطف بيان على جهة المدح كما في الصفة، لا على جهة التوضيح؛ فعلى هذا لا يمتنع مثل ذلك في عطف البيان على قول الكسائي.

  وأما البدل فيكون تابعاً للمضمر بالاتفاق، نحو: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}⁣[مريم: ٨٠]، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}⁣[الكهف: ٦٣]، وإنما امتنع الزمخشري من تجويز كون {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}⁣[المائدة: ١١٧] بدلاً من الهاء في «به» توهماً منه أن ذلك يخلّ بعائد الموصول، وقد مضى رَدُّه.

  وأجاز النحويون أن يكون البدلُ مضمراً تابعاً لمضمر، كـ «رَأَيْتُهُ إياه»، أو لظاهر، كـ «رَأَيْتُ زَيْداً إِيَّاه»، وخالفهم ابن مالك فقال: إن الثاني لم يُسْمَع، وإن الصواب في الأول قولُ الكوفيين إنه توكيد كما في «قمت أنت».


  والشاهد في قوله البائسا صفة للهاء في تلمه أي لا تلم البائس أن ينام وقر قرى بقافين على وزن فعللا موضع والكوانس جمع كانس وهو الظبي يدخل في كناسه أي موضعه. قوله: (وقال الزمخشري الخ) قصده بيان أن الزمخشري عنده عطف البيان لا ينحصر في كونه للتوضيح والتخصيص خلافاً للجمهور وقصده بنقل كلام الكسائي قبله أن الضمير عنده ينعت قوله: (أن البيت الحرام عطف بيان) أي: وأما الجمهور فيقولون إنه بدل قوله: (كما أن الصفة) أي: كما أن الصفة تخرج عن أصلها وهو التخصيص والتوضيح وتأتي للمدح. قوله: (فعلى هذا) أي: كلام الزمخشري.

  قوله: (لا يمتنع مثل ذلك) أي: مثل ما سبق في النعت وهو إتيانه نعتاً لضمير على سبيل المدح أو لذم أو الترحم، وقوله في عطف البيان أي فيكون عطف البيان على كلام الكسائي بعد الضمير على طريق الترحم والذم؛ لأن الذم ضد المدح والترحم مثلهما وتوضيحه أن العلماء قالوا أن النعت للتخصيص وللتوضيح وقد يخرج للترحم والمدح والذم فقال الكسائي أن هذه الثلاثة الخارجة قد تكون بعد الضمير ثم إن الزمخشري قال إن عطف البيان قد يكون للمدح ولكنه سكت عن كونه بعد ضمير ثم إنك إذا نظرت تجد أن مثل المدح الذم لأنه ضده والترحم لأنه لا فرق بينهما أي فيكون عطف البيان قد يخرج عن التوضح إلى هذه الثلاثة ثم إنك إذا نظرت لكلام الزمخشري والكسائي تأخذ منهما أنه يعطف بعد الضمير للمدح وللذم وللترحم لأن الضمير كغيره عند الكسائي وقد أجيز الثلاثة بعد الضمير عند الكسائي في النعت ووجدت هذه الثلاثة في العطف في غير الضمير فيكون الضمير حينئذ كذلك قوله: (يخل بعائد الموصول) أي: لأن لمبدل منه في نية الطرح. قوله: (وقد مضى رده) أي: بأن المضر خلو الصلة من العائد في اللفظ لا في التقدير. قوله: (وأجاز النحويون) هذا مقابل لقوله أولاً ان العطف لا يكون مضمراً ولا تابعاً لمضمر. قوله: (أن الثاني) أي: إبدال الضمير من الظاهر قوله: (الكوفيين انه توكيد)