حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الأولى:

صفحة 195 - الجزء 3

  السابع عشر: قول الزمخشري في قوله تعالى: {يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}⁣[المائدة: ٣١] إن انتصاب {أُوَارِيَ} في جواب الاستفهام، ووجه فساده أن جواب الشيء مُسَبَّب عنه، والمواراة لا تتسبب عن العجز وإنما انتصابه بالعطف على {أَكُونَ}، ومن هنا امتنع نصب {تُصْبِحُ} في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}⁣[الحج: ٦٣]، لأن إصباح الأرض مخضرة لا يتسبّب عن رؤية إنزال المطر، بل عن الإنزال نفسه، وقيل: إنما لم لأن {أَلَمْ تَرَ} في معنى: قد رأيت، أي أنه استفهام تقريري مثل {أَلَمْ نَشْرَحْ}⁣[الانشراح: ١]؛ وقيل: النصب جائز كما في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ}⁣[الحج: ٤٦]، ولكن قصد هنا إلى العطف على {أَنْزَلَ} على تأويل «تصبح» بـ «أصبحت»، والصواب القول الأول، وليس {أَلَمْ تَرَ} مثل {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} لما بيناه.

  الثامن عشر: قولُ بعضهم في {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا


  قوله: (ان انتصاب أواري في جواب الاستفهام) أي: فقال الفاء سببية وأواري فعل مضارع منصوب في جواب الاستفهام أعني أعجزت قوله: (لا تتسبب عن العجز) إذ العجز إنما يتسبب عنه عدم المواراة والمواراة إنما تتسبب عن القدرة وأجاب السعد في حاشية الكشاف بأنه يحتمل أن يكون الاستفهام فيه للإنكار، الإبطالي، فيفيد النفي وهو سببه، أي: إن لم أعجز فواريت قوله (ومن هنا) أي: ومن أجل أن جواب الشيء مسبب عنه. قوله: (لا يتسبب عن رؤية إنزال المطر) أي: وإذا لم يتسبب عنه وجب الرفع لتجرده من الناصب والجازم. قوله: (وقيل إنما لم ينتصب) أي: قوله: فتصبح وحاصل هذا القول إن عدم النصب هنا ليس لعدم صحة السببية بل لكون الاستفهام ليس حقيقياً وإنما ينصب في جواب الاستفهام الحقيقي. قوله: (وقيل النصب) أي: في قوله فتصبح. قوله: (فتكون لهم قلوب) أي: فنصب تكون بعد فاء السببية والاستفهام فيها غير حقيقي فكذلك هنا في قوله فتصبح يجوز النصب بعدها ولكن منع النصب لأجل قصد العطف.

  قوله: (على تأويل الخ) أي: فهو ماض في المعنى وإن كان مضارعاً فلذا صح عطفه على الماضي. قوله: (القول الأول) أي: وهو أن عدم انتصاب فتصبح لكونه ليس جواباً للاستفهام لأن إصباح الأرض مخضرة لا يتسبب عن رؤية المطر ولا ينصب بعد فاء السببية إلا ما كان جواباً وجواب الشيء ما كان متسبباً عنه. قوله: (لما بيناه) أي: من أن إصباح الأرض مخضرة ليس مسبباً عن رؤية المطر وأما الآية المنظر بها فالسببية فيها صحيحة لأن كون القلوب تفقه يتسبب عن السير ورؤية الأرض وما فيها من الأشجار والزروع. قوله: (الذين الخ) صفة لمحذوف أي الأصنام الذين اتخذوا وفيه إنه يفيد أن المتخذ قرباناً