حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الأولى:

صفحة 196 - الجزء 3

  آلِهَةً}⁣[الأحقاف: ٢٨] إن الأصل: اتخذوهم قرباناً، وإن الضمير و «قرباناً» مفعولان، و «آلهة» بدل من «قرباناً»؛ وقال الزمخشري: إن ذلك فاسد في المعنى، وإن الصواب أنّ «آلهة» هو المفعول الثاني، وأن «قرباناً» حال؛ ولم يبين وجه فساد المعنى؛ ووجهه أنهم إذا ذُمُّوا على اتخاذهم قرباناً من دون الله اقتضى مفهومه الحث على أن يَتَّخذوا الله سبحانه قرباناً، كما أنك إذا قلت «أتَّتَّخِذُ فلاناً معلماً دوني؟» كنت آمراً له أن يتخذك معلماً له دونه والله تعالى يُتقرَّب إليه بغيره ولا يُتقرب به إلى غيره، سبحانه.

  التاسع عشر: قول المبرد في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}⁣[النساء: ٩٠] إن جملة {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} جملة دعائية؛ ورده الفارسي بأنه لا يُدعى عليهم بأن تحصر صدورهم عن قتال قومهم، ولك أن تجيب بأن المراد الدعاء عليهم


  الأصنام فيجاب بأن المفعول الأول محذوف أي اتخذوهم قوله: (قربانا) أي: متقرباً بهم. قوله: (وإن قرباناً حال) فيه أنه يرد عليه أن الحال مقيدة لعاملها فيفيد أن توبيخهم لاتخاذهم الآلهة في وقت التقرب بهم مع أنهم موبخون على اتخاذهم دائماً إلا أن يقال أنها حال مبنية أي أن من شأن الآلهة عند هؤلاء أن يكونوا قرباناً لقولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى قوله: (ووجهه الخ) قد وجهه بعضهم بأن المبدل منه في نية الطرح فيقتضي أنهم لا يعترفون بألوهيته تعالى لأن تقدير الكلام فلولا نصرهم الذين اتخذوهم آلهة من دون الله وهذا فاسد لأنهم لم يتخذوهم آلهة من دون الله حتى ينسب ذلك إليهم، بل كانوا مقرين بالهية المولى تعالى مع قولهم إن الأصنام آلهة تقربنا إليه والمفهوم من قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً}⁣[الأحقاف: ٢٨] قالوا: بالهية الأصنام ولم يقولوا بالهيئه تعالى وهذا بخلاف ما إذا كان قرباناً حالاً؛ لأن المعنى أنهم اتخذوهم آلهة حال تقربهم بهم إلى الله تعالى فإنه لا يفهم من هذا نفي إلهية الله تعالى.

  قوله: (على اتخاذهم) أي: الأصنام قرباناً. قوله: (أو جاؤوكم الخ) قبله ودوا أي: المنافقون أي تمنوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون أنتم وهم سواء في الكفر فلا تتخذوا أولياء توالونهم وإن أظهروا الإيمان حتى يهاجروا في سبيل الله هجرة صحيحة تحقق إيمانهم فإن تولوا وأقاموا على ما هم عليه فحذوهم بالأسر واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً توالونه ولا نصيراً تنتصرون به على عدوكم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أي بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي هلال بن عويمر الأسلمي أو الذين جاؤوكم وقد حصرت أي ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم مع قومهم أو يقاتلوا قومهم معكم أي: ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرضوا لهم بأخذ ولا قتل. قوله: (حصرت صدورهم) أي: صدور الكفار الجائين لكم. قوله: (جملة دعائية) أي: لا حالية كما قال غيره. قوله: (عن قتال قومهم) أي: الكفار، أي: بل المطلوب أن يدعى بكونهم يقعون في بعضهم حتى يهلكوا بعضهم.