حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الثانية

صفحة 200 - الجزء 3

  تمكين ذمي من قراءتها؛ ثم قدّر أن غَنَّتْ جارية بحضرة الواثق بهذا البيت، فاختلف الحاضرون في نصب «رجل» ورفعه وأصَرَّتِ الجارية على النصب، وزعَمَتْ أنها قرأته على أبي عثمان كذلك. فأمر الواثق بإشخاصِهِ من البَصْرة، فلما حَضَر أَوْجَبَ النصب، وشَرَحه بأن «مُصابكم» بمعنى: إصابتكم، و «رجلا» مفعوله، و «ظلم» الخبر، ولهذا لا يتم المعنى بدونه، قال: فأخذ اليزيدي في معارضتي، فقلتُ له: هو كقولك: «إن ضَرْبَكَ زيداً ظلم» فاستحسنه الواثق، ثم أمر له بألف دينار، ورده مكرماً. فقال للمبرد: تركنا الله مائة دينار فعوّضَنَا ألفاً.

  الجهة الثانية: أن يراعي المعرِبُ معنى صحيحاً، ولا ينظر في صحته في الصناعة، وها أنا مُورِدٌ لك أمثلة من ذلك.

  أحدها: قول بعضهم في {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}⁣[النجم: ٥١] إن «ثموداً» مفعول مقدم، وهذا ممتنع لأن لـ «ما» النافية الصَّدْرَ، فلا يعمل فيما قبلها، وإنما هو


  مصابكم مصدر والمعنى إن أصابتكم رجل مظلوم فأخبر باسم الذات عن المعنى. قوله: (بحضرة الواثق) هو أبو جعفر هرون بن محمد المعتصم بن هرون الرشيد بويع بالخلافة بعد موت أبيه وسنه ست وثلاثون سنة فأقام خليفة خمس سنين وتسعة أشهر ومات يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ولما مات ترك وحده واشتغل الناس بالبيعة للمتوكل فجاء جرذ أي فأر فاستل عينيه وأكلهما فسبحان المعز المذل. قوله: (علي أبي عثمان) أي: المازني قوله: (بأشخاصه) أي: بإحضاره بشخصه.

  قوله: (ورجلاً مفعوله) أي: وأصابه مصدر مضاف لفاعله وقوله ظلوم الهمزة فيه للنداء أي يا ظلوم إن أصابتك فهو ندء للمحبوبة أي يا شديدة الظل إن أصابتك الرجل الموصوف بكونه أهدى لك السلام ظلم. قوله: (ولهذا) أي: لأجل كون ظلم خبر لا يتم المعنى بدونه أي بحذفه قوله: (معنى صحيحاً) أي: وهذه الجهة عكس الجهة الأولى. قوله: (ولا ينظر في صحة الإعراب) أي: فيفسد الإعراب صناعة، وقوله في الصناعة أي إلى الصناعة. قوله: (وها أنا مورد الخ) فيه إدخال ها التنبيه على ضمير الرفع المنفصل مع أن خبره ليس اسم إشارة وهو شاذ كما ذكره المصنف في حواشي التسهيل. قوله: (من ذلك) أي: من الأمور التي راعى المعرب فيها المعنى دون الصناعة وحينئذ فيفسد ذلك الإعراب صناعة قوله: (لأن لما النافية الصدر الخ) أي: ولوجود الفاء العاطفة وهي تمنع من عمل ما بعدها فيما قبلها فالمنع لأمرين، وقد يقال لصاحب هذا القول أن يجعل إما محذوفة وهو من مظان حذفها قياساً أي وأما ثموداً فما أبقى وحينئذ فلا يمتنع التقديم لغرض الفصل بين أما والفاء بجزء مما في حيزها ولو كان عامله مقترناً بما له الصدر نحو