الجهة الثانية
  معطوف على {عَادًا} أو هو بتقدير وأهلك ثموداً، وإنما جاء [من الرجز]:
  وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
  لأنه شعر، مع أن المعمول ظرف، وأما قراءة عمرو بن فائد {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ٢}[الفلق: ٢] بتنوين «شر»، فـ «ما» بدل من «شر»، بتقدير مضاف، أي: من شر شر ما خلق، وحذف الثاني لدلالة الأول.
  الثاني: قول بعضهم في إذ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ١٠}[غافر: ١٠] إنها ظرف للمَقْتِ الأول، أو للثاني، وكلاهما ممنوع؛ أما امتناع تعليقه بالثاني فلفساد المعنى،
  أما زيداً فإني ضارب على ما ذهب إليه المبرد وابن درستويه والفراء واختاره ابن الحاجب وغيره اهـ دماميني. قوله: (على عادا) أي: من قوله قبل وأنه أهلك عاداً الأولى وعلى هذا الوجه فالعطف من عطف المفردات.
  قوله: (أو هو بتقدير الخ) وعلى هذا فهو من عطف الجمل وفيه أنه حيث أمكن عطف المفردات لا يعدل عنه لعطف الجمل فالأولى الاقتصار على ما قبله. قوله: (ما استغنينا) أي: فإن قوله عن فضلك معمول استغنينا فقد عمل ما بعد النفي فيما قبله. قوله: (ومن شر ما خلق) الأولى حذف الواو من هنا ومن التقدير إذ الآية من شر ما خلق بدون واو. قوله: (فما بدل من شر) قال الدماميني يحتمل أن يكون ما هذه في الإبهامية وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاماً وزادته شيوعاً وعموماً كقولك أعطني كتاباً ما تريد أي كتاب كان وخلق صفة له والعائد محذوف وعلى كل فليس مما نحن فيه وهو ما لنا فيه اهـ. دماميني. قوله: (فما بدل الخ) أي: فهي اسم موصول وليست نافية خلافاً لما فهمه المعتزلي مستدلاً به على أن الله لا يخلق الشرور. قوله: (بتقدير مضاف) أي: وفي الحقيقة إن البدل هو المضاف قوله: (ينادون) أي: من قبل الملائكة وهم يمقتون نفسهم عند دخولهم النار. قوله: (المقت الله) اللام لام الابتداء ومقت مبتدأ وأكبر خبر وقوله لمقت الله من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف أي لمقت الله إياكم. قوله: (إذ تدعون إلى الإيمان) أي: في الدنيا قوله: (فلفساد المعنى) هذا ليس من الجهة الثانية بل من الجهة الأولى لمراعاة المعرب الصناعة دون المعنى، وأما تعلقه بالمقت الأولى الذي فيه المعنى فصيح إلا أنه مخالف للصناعة وهو الذي من هذه الجهة فهذا هو المقصود بالذات. قوله: (فلفساد المعنى) أي: لأن المعنى حينئذ ينادون لمقت الله إياكم كبر من مقتكم أنفسكم وقت دعائكم إلى الإيمان وهذا لا يصح لأن مقتهم أنفسهم إنما يكون في الآخرة ودعاؤهم للإيمان في الدنيا وقد يجاب بأنه على تقدير مضاف والأصل إذ ظهر صحة دعائكم للإيمان أي أكبر من مقتكم أنفسكم وقت ظهور صحة دعائكم للإيمان ومن المعلوم في ظهر صحة الدعاء للإيمان لهم إنما هو يوم الآخرة، وإن كان دعاؤهم إليه في الدنيا.