حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الثانية

صفحة 202 - الجزء 3

  لأنهم لم يمقتوا أنفسهم ذلك الوقت، وإنما يمقتونها في الآخرة.

  ونظيره قول مَنْ زعم في {يَوْمَ تَجِدُ}⁣[آل عمران: ٣٠] إنه ظرف لـ «يحذركم»، حكاه مكي قال وفيه نظر، والصوابُ الجزم بأنه خطأ، لأن التحذير في الدنيا لا في الآخرة، ولا يكون مفعولاً به لـ «يحذركم» كما في {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ}⁣[غافر: ١٨] لأن «يحذر» قد استوفى مفعوليه، وإنما هو نصب بمحذوف تقديره: اذكروا أو احذروا.

  وأما امتناع تعليقه بالأول - وهو رأي جماعة منهم الزمخشري - فلاستلزامه الفضل بين المصدر ومعموله بالأجنبي، ولهذا قالوا في قوله [من الطويل]:


  قوله: (ذلك الوقت) أي: وقت دعائهم للإسلام قوله: (وإنما يمقتونها في الآخرة) أي: عند دخولهم النار ودعاؤهم للإيمان في الدنيا. قوله: (ونظيره) أي: من جهة فساد المعنى لاختلاف الزمان، وإن كان مخالفاً وعكساً للأول من جهة أن المعمول الظرفي هنا مقدم بخلاف الأول فإنه مؤخر قوله: (وفيه نظر) أي: تردد وتحير. قوله: (لأن التحذير في الدنيا) أي: واليوم الذي تجد كل نفس ما عملته محضراً يوم القيامة فكيف يكون الأمر الواقع في الدنيا ظرفه يوم القيامة. قوله: (تقديره اذكروا) أي: يوم تجد وقوله أو احذروا أي يوم تجد الخ. قوله: (وأما امتناع تعليقه) يعني إذ تدعون وقوله بالأول أي بالمقت الأول. قوله: (فلاستلزامه) أي: وهذا ممنوع عند غير الزمخشري وذلك الغير هو السعد والزمخشري جوز الفصل إذا كان المعمول ظرفاً كما هنا قوله: (بالأجنبي) أي: وهو أكبر الواقع خبراً إن قلت الخبر ليس أجنبياً من المبتدأ لأن معمول له قلت جعلوه أجنبياً لاختلاف جهة العمل لأن عمل المبتدأ في الخبر من حيث أنه مبتدأ وعمله في الظرف من حيث أنه مصدر قوله: (بالأجنبي) وهو أكبر لأنه خبر عن المبتدأ وأعلم أن الأجنبي هنا ما كان غير معمول للمصدر غير الجملة المعترضة والمراد بغير الأجنبي ما كان معمولاً له فيشمل الفاعل والمفعول والظرف والجار والمجرور والصفة لأن هذه منزلة مع المصدر كالجزء، فإذا قلت ضربي في الدار زيداً حسن لم تفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وإنما فصلت بينهما بمتعلق به داخل في حيزه بخلاف ضربي حسن زيداً فإنك فصلت بينهما بالخبر المستقل الذي لا يصح يكون تتمة لما قبله في الجزئية وإنما نزلوا الجمل الاعتراضية منزلة العدم لأنه أتى بها لغرض فلذا نزل الفصل بها كالعدم وأيضاً لأنه لا يتهم أنها من متعلقات الأول ولا من متعلقات الثاني لاستقلالها بنفسها اهـ تقرير در دير.

  قوله: (ولهذا) أي: ولأجل كون الفصل بالأجنبي من المصدر ومعموله بأجنبي مضراً قالوا في قوله الخ.