حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الثانية

صفحة 204 - الجزء 3

  وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}⁣[البقرة: ٢١٧]: إن «المسجد» عطف على «سبيل الله»، وإنه حينئذ من جملة معمول المصدر، وقد عطف {كُفْرٌ} على المصدرِ قبل مجيئه.

  والصواب أن الظروف الثلاثة مُتعلّقة بمحذوف، أي: مقتكم إِذْ تُدعون، وصوموا أياماً، ويَرْجِعُه يوم تبلى السرائر، ولا ينتصب «يوم» بـ «قادر»، لأن قدرته تعالى لا تتقيد بذلك اليوم ولا بغيره، ونظيره في التعلق بمحذوف {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ}⁣[الفرقان: ٢٢] ألا ترى أن «اليوم» لو عُلق بـ «بشرى» لم يصح من: أنه وجهين: مصدر، وأنه اسم لـ «لا»، وأما {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}⁣[هود: ٨] فعلى الخلاف في جواز تقدم منصوب «ليس» عليها.

  والصواب أن خفض {الْمَسْجِدِ} بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها، لا بالعطف، ومجموع الجار والمجرور عطف على {بِهِ}، ولا يكون خفض «المسجد» بالعطف على الهاء، لأنه لا يُعطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض.

  ومن أمثلة ذلك قول المتنبي [من الطويل]:


  فيلزم اتباع قبل أن يكمل معموله.

  قوله: (وقد عطف الخ) أي: فقد لزمه العطف على المصدر قبل استكماله مع أنه لا يتبع قبل استكماله قوله: (قبل مجيئه) أي: ذلك المعمول. قوله: (إن الظروف الثلاثة) أي: إذ في قوله إذ تدعون وأياماً في قوله أياماً معدودات ويوم في قوله يوم تبلى السرائر. قوله: (لأن قدرته تعالى لا تتقيد بذلك اليوم ولا بغيره) قد يقال إنه إذا كان قادراً على رجعه يوم تبلى السرائر فقدرته على رجوعه قبل البلي من باب أولى تأمل. قوله: (يوم يرون) أي: احذروا يوم أو اذكروا يوم. قوله (انه مصدر) أي: ومعموله لا يتقدم عليه، وقوله وإنه اسم للا أي ولا لها الصدارة فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. قوله: (وأما الا يوم تأتيهم ليس مصروفاً عنهم) أي: فإنه قد عمل ما بعد ليس فيما قبلها مع أن لها الصدارة. قوله: (فعلى الخلاف) أي: فجواز تعلق يوم بمصروفاً وعدمه جارٍ على الخلاف في جواز تقدم منصوب ليس عليها وعدمه فعلى القول بمنع تقدم خبرها عليها بمنع تقدم معمول الخبر عليها وعلى القول بجواز تقدم خبرها عليها يجوز أن تقدم معمول الخبر عليها.

  قوله: (ومن أمثلة ذلك) أي: الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي فقوله وفاؤكما مبتدأ، وقوله كالربع خبر وقوله بأن تسعدا متعلق بالمصدر أعني وفاؤكما وقد علمت أن الخبر أجنبي من المصدر، وقوله أشجاه أي أحزنه والطاسم الدارس والساجم الهامل وهو الفائض والسائل الذي لا مانع له.