حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الثانية

صفحة 207 - الجزء 3

  ذِكْرًا}⁣[البقرة: ٢٠٠] إن {أَشَدَّ} حال كان في الأصل صفة لذكراً.

  السادس: قول الحوفي: إن الباء من قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥}⁣[النمل: ٣٥] متعلّقة بـ «ناظرة»، ويرده أن الاستفهام له الصدر؛ ومثله قول ابن عطية في {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}⁣[التوبة: ٣٠]: إنّ «أَنَّى» ظرف لـ «قاتلهم الله»، وأيضاً فيلزم كون «يؤفكون» لا موقع لها حينئذ، والصواب تعلقهما بما بعدهما.

  ونظيرهما قول المفسرين في {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ٢٥}⁣[الروم: ٢٥]: إن المعنى إذا أنتم تخرجون من الأرض، فعلقوا ما قبل «إذا» بما بعدها، حكى ذلك عنهم أبو حاتم في كتاب الوقف والابتداء، وهذا لا يصح في العربية.


  بين المعطوف وحرف العطف بالحال وهو ممنوع فالأولى أن يجعل قوله أو أشد ذكراً حال معمولة لمحذوف أي أو اذكروه حال كونكم أشد ذكراً منكم لآبائكم وهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات كما عند أبي حيان، وأجاب أبو حيان عن اعتراض المصنف بقوله لا يقال إنه لا يجوز الفصل بين الحرف العاطف وهو أو وبين المعطوف وهو ذكراً بالحال لأن جواز الفصل إذا كان حرف العطف أكثر من حرف وكان الفصل قسماً أو الظرف أو المجرور فالشرط الأول وجد والثاني فقد لأنا نقول إن الحال شبيهة بالمفعول فيه لأن قولك جاء زيد راكباً في قوة جاء زيد في وقت الركوب والحال شبيهة بالظرف والمصنف رده بأن الحال شبيهة بالمفعول به لا بالمفعول فيه اهـ تقرير دردير. قوله: كان في الأصل (صفة) أي: فالأصل أو ذكراً أشد من ذكركم لآبائكم وهو عطف على محذوف أي اذكروا الله ذكراً كذكركم لآبائكم أو ذكراً أشد فهو من عطف المفردات عند أبي حيان.

  قوله: (إن الاستفهام له الصدر) أي: فلا يعمل ما قبله فيه وإلا خرج عما ثبت له. قوله: (وأيضاً) أي: إنه يرد بما سبق من أنى له الصدارة فلا يعمل ما قبله فيه ويرد بأنه يلزم الخ. قوله: (لا موقع لها) أي: لا محل لذكره ولا وجه له وذلك لأن المقصود الدعاء عليهم بقتل الله لهم في أي حال لا في حالة إفكهم وصرفهم عن الحق بعد ما تبين لهم وجهة فقط هذا هو المراد وليس المراد لا موقع له من الإعراب لأنه في محل جر بالإضافة. قوله: (تعلقهما بما بعدهما) أي: فالمعنى قاتلهم الله كيف يصرفون عن بعد ما تبين لهم وجهه يرجع المرسلون بأي شيء قوله: (فعلقوا ما قبل إذا) أي: وهو من في الأرض. قوله: (وهذا لا يصح في العربية) أي: لأن إذا الفجائية لها الصدارة وإعمال ما بعدها فيما قبلها يخرجها عن ذلك، وأجيب بأن تقديرهم هذا لا يفيد أن ما قبلها متعلق بما بعدها لاحتمال أن مرادهم أن ما بعد إذا له متعلق محذوف جار ومجرور الأصل تخرجون منها أي من الأرض ثم إنهم عدلوا عن الضمير إلى الاسم الظاهر وليس قصدهم