الجهة الثانية
  وقول بعضهم في {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا}[الأحزاب: ٦١]: إن «ملعونين» حال من معمول «ثقفوا» أو «أخذوا»، ويردُّه أن الشرط له الصدر. والصواب أنه منصوب على الذم وأما قول أبي البقاء إنه حال من فاعل {يُجَاوِرُونَكَ} فمردود، لأن الصحيح أنه لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان.
  وقول آخر في {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ٢٠}[يوسف: ٢٠]: إنّ متعلقة «في» متعلقة بـ «زاهدين» المذكور، وهذا ممتنع إذا قدرت «أل» موصولة وهو الظاهر، لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، فيجب حينئذ تعلقها بـ «أعني» محذوفة، أو بـ «زاهدين» محذوفاً مدلولاً عليه بالمذكور، أو بالكون المحذوف التي تعلّق به من «الزاهدين»؛ وأما إن قدرت «أل» للتعريف فواضح.
  السابع: قول بعضهم في بيت المتنبي يخاطب الشيب [من البسيط]:
  ٧٨٦ - ابعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضاً لا بَيَاضَ لَهُ ... لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْني مِنَ الظُّلَمِ
  تعلق من الأرض المذكور سابقاً يتخرجون بل السابق متعلقاً بدعا اهـ تقرير دردير. قوله: (من معمول ثقفوا) أي: الفاعل وهو الواو.
  قوله: (لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان) إذ لا يجوز أن تقول قام القوم إلا زيداً عمراً بل إلا زيداً وعمراً والحال إذا وقعت بعد مستثنى وهي مما قبل إلا كما هنا كانت إلا مسلطة عليها فتكون إلا مسلطة على الحال فالمعنى هنا حينئذ لا يجاورونك إلا قليلاً من الرجال إلا ملعونين.
  قوله: (وقول آخر) عطف على قوله قول بعض المفسرين أي نظيره قول بعض المفسرين وقول آخر. قوله: (وهذا ممتنع) أجاب ابن الحاجب عنه بأن تقدم معمول الصلة على أل مغتفر وذلك لأنها على صورة الحرف فهي كأل المعرفة فليست كالموصولات غيرها من كل وجه ألا ترى ان صلتها مخالفة لسائر الصلات لأن الصلة جملة وصلتها صفة صريحة اهـ تقرير دردير قوله: (بأعني) فيه أن أعني متعدية بنفسها لا بحرف وتقديره هذا يفيد أنها غير متعدية بنفسها.
  قوله: (أو بالكون المحذوف) فيه أنه إذا كان الكون محذوفاً كان خبراً فيكون المعنى حينئذ وكانوا كائنين فيه من الزاهدين ولا معنى لكونهم كائنين فيه. قوله: (إبعد) بكسر الهمزة وفتح العين أمر من بعد بكسرها أي أهلك يقال بعد يبعد بعداً كفرح يفرح فرحاً
٧٨٦ - التخريج البيت للمتنبي في (ديوانه ٤/ ١٥١).
اللغة: أبعد أي أهلك مأخوذ من البعد بمعنى الذهاب بالموت والهلاك.
المعنى: يخاطب الشاعر الشيب قائلاً: اهلك هلكت لكونك بياضاً لا سرور فيه، لأنك بياض في الظاهر فقط. لأن حلولك يوجب الهم وينذر بحلول الأجل وقطع الأمل.