حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الثالثة

صفحة 216 - الجزء 3

  وتقع بمعنى «الذي»، كقولهم: «زَيْدٌ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ»، أي: من الذي يكذب، اهـ.

  فأما وقوع الذي مصدرية فقال به يونُسُ والفرَّاء والفارسي، وارتضاه ابن خروف وابن مالك، وجعلوا منه {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ}⁣[الشورى: ٢٣]، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}⁣[التوبة: ٦٩].

  وأما عكسه فلم أعرف له قائلاً، والذي جَرَّأه عليه إشكال هذا الكلام، فإن ظاهره تفضيل «زيد» في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ونظائر هذا التركيب كثيرة مشهورة الاستعمال، وقلّ من يتنبه لإشكالها؛ وظهر لي فيها توجيهان:

  أحدهما: أن يكون في الكلام تأويل على تأويل، فيؤوّل «أن» والفعل بالمصدر،


  الجملة الاسمية وهي كبدي من حب مية تقرح، وقوله أرى جملة معترضة بين الصلة والموصول فالمعنى أتقرح أكباد المحبين مثل قرح كبدي من حب مية فيما أراه، وإنما لم تجعل الجملة الفعلية صلة لعدم صحة التشبيه لأن المعنى حينئذ أتقرح أكباد المحبين قرحاً مثل رؤية كبدي ويحتمل أن يجعل الذي موصولاً اسمياً وصلته أرى وما بعده والعائد محذوف أي أراه، وقوله في موضع نصب على أنه مفعول ثانٍ لأرى وكبدي مفعول به منصوب بيقرح فهو بالياء التحتية والذي وصف لمحذوف والمعنى أتقرح أكباد المحبين كالقرح الذي أراه يقرح كبدي من حب مية اهـ دماميني ويصح أن يكون بالتاء الفوقانية والمعنى كالقرح الذي أرى كبدي تقرحه قوله: (كالذي أرى كبدي) أي: كقرح كبدي والحامل على أنها مصدرية عدم وجود عائد في الكلام لأن ضمير أرى عائد على المتكلم وكبدي مفعول أول وجملة يقرح مفعول ثان قوله: (ذلك الذي يبشر الخ) أي: ذلك تبشير الله عباده، وقوله خضتم كالذي خاضوا أي خضتم كخوضهم. قوله: (فلم أعرف له قائلاً) أي: ويرده أيضاً قولهم أنت أعقل من أن الكذب بالفوقية وأنا أعقل من أن أكذب فإنه لو جعل أن بمعنى الذي لم يكن الفعل المذكور متحملاً لضمير الغيبة العائد على الموصول بل لضمير المخاطب في الأول والتكلم في الثاني فيتعين أن تؤول وأن الفعل بالمصدر والمصدر يؤول باسم الفاعل.

  قوله: (جرأه) أي حمله عليه أي على القول بأن أن بمعنى الذي في المثال المذكور. قوله: (وهذا لا معنى له) إذ لا معنى لقولك هو أكثر عقلاً. من الكذب. قوله: (توجيهان) أي: في ذلك التركيب وما ماثله قوله: (تأويل على تأويل) أي: تأويل بعد تأويل فأو لا يؤول أن والفعل بالمصدر ثم يؤول المصدر باسم الفاعل فتؤول أن يكذب ثم تؤول الكذب بالكاذب ولا شك أن قولك زيد أعقل من الكاذب يرجع لقولك زيد أعقل من الذي يكذب.