الجهة الرابعة
  وهذا كتخريجه قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل: ٦٥] على أن الاستثناء مُنقطع، وأنه جاء على البدل الواقع في اللغة التميمية، وقد مضى البحث فيها.
  ونظير هذا على العكس قولُ الكرماني في {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة: ١٣٠] إن {مَنْ} نصب على الاستثناء و {نَفْسَهُ} توكيد، فحمل قراءة السبعة على النصب في مثل «ما قام أحد إلا زيداً»، كما حمل الزمخشري قراءتهم
  الترجي قليل قوله: (وهذا) أي: التخرج على النصب في جواب الترجي مثل تخرج الزمخشري قوله تعالى الخ أي مثله في كون كل قليلاً. قوله: (منقطع) إنما حمله على ذلك توهم حلول استقرار المولى في السموات أو في الأرض وهو لا يصح فلذا جعل منقطعاً ولم يجعله متصلاً فإن قيل إن الراجح في الاستثناء المنقطع بعد النفي النصب على الاستثناء فما وجه الرفع أجاب المصنف بأنه جاء على البدل الخ أي والتخريج على اللغة التميمية ضعيف لأنها لغة ضعيفة، وحينئذ فالأولى أن الظرف أعني قوله في السموات الخ متعلق بمحذوف وأن الاستثناء متصل أي قل لا يعلم من يذكر في السموات والأرض الغيب إلا الله، وقوله إلا الله بدل من من لأن الراجح في المتصل الإبدال بعد النفي والتعلق بالمحذوف أولى من الانقطاع أو أن من معمول ليعلم والنصب بدل اشتمال وإلا الله فاعل وهو من الاستثناء المفرغ وهذان الوجهان سبقاً للمصنف. قوله: (ونظير هذا على العكس) أي: من جهة أن الاستثناء هنا متصل وفيما تقدم منقطع وكل منهما واقع بعد نفي وقد أعرب كل من الاستثناءين بخلاف الراجح.
  قوله: (إلا من سفه نفسه) في البحر من في قوله ومن يرغب اسم استفهام محل رفع على الابتداء وهو استفهام معناه الإنكار ومن سفه في موضع رفع بدل من الضمير المستكن في يرغب ويجوز أن يكون في محل نصب على الاستثناء والرفع على البدل أجود لأنه استثناء من غير موجب وانتصاب نفسه على أنه تمييز على قول الفراء المجوز لمجيئه معرفة أو على التشبيه بالمفعول به على قول بعض الكوفيين، وأما الجمهور فيجعلون النصب على التشبيه المذكور خاصاً بالصفة المشبهة ولا يجوز في الفعل تقول زيد حسن الوجه ولا تقول يحسن الوجه، وأما على أنه مفعول به إما لكون سفه يتعدى بنفسه كسفه المضعف، وإما لكونه ضمن معنى ما يتعدى كجهل وهو قول الزجاج وابن جنى أو أهلك وهو قول أبي عبيدة أو على إسقاط حرف الجر والأصل سفه وهو قول بعض البصريين. قوله: (فحمل) أي: الكرماني قراءة السبعة الخ وهذا بيان لحقيقة العكس المشار له بقوله ونظيره على العكس.
  قوله: (في مثل ما قام أحد إلا زيد) أي: فالأولى الأبدال لا النصب والنصب خلاف الراجح، وحينئذ فيتعين أن محلها رفع على الإبدال من ضمير يرغب ونفسه مفعول لسفه