الجهة الرابعة
  التنزيل على رفع الجواب مع مُضي فعل الشرط، فقال في قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ}[آل عمران: ٣٠]: لا يجوز أن تكونَ «ما» شرطية لرفع «تود»، هذا مع تصريحه في المفصل بجواز الوجهين في نحو: «إِنْ قَامَ زَيْدُ أَقُومُ»، ولكنه لما رأى الرفع مرجوحاً لم يستسهل تخريج القراءة المُتفق عليها عليه. يوضح لك هذا أنه جوّز ذلك في قراءة شاذة مع كون فعل الشرط مضارعاً، وذلك على تأويله بالماضي، فقال قُرئ {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}[النساء: ٧٨] برفع «يدرك»؛ فقيل: هو على حذف الفاء؛ ويجوز أن يقال: إنه محمول على ما يقع موقعه وهو: أينما كنتم، كما حمل «ولا ناعب» في قوله [من الطويل]:
  [مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً] ... ولا ناعِبِ [إِلا بَبَيْنِ غُرَابُها]
  على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين»، وهو ليسوا بمصلحين؛ وقد يرى كثير من
  الجواب مع كون فعل الشرط مضارعاً ضعيف لا يجوز إلا في الشعر فكيف يخرج عليه القرآن بل قد امتنع الزمخشري من تخريج القرآن على رفع الجواب مع كون فعل الشرط ماضياً مع كونه كثيراً في نفسه قوله: (هذا) أي: وانظر هذا قوله: (بجواز الوجهين) أي: جزم الجواب بحيث يقال أقم رفعه لكون الأداة لم تعمل في لفظ الشرط مع قربه منها فلا تعمل في لفظ الجواب.
  قوله: (لم يستسهل الخ) أي: فكيف يصح تخريج القراءة على ما هو خاص بالشعر كما تقدم قوله: (عليه) أي: على الرفع المرجوح. قوله: (يوضح لك هذا) أي: عدم استسهاله تخريج القراءة المتفق عليهما عليه أن الزمخشري جوز ذلك في الشاذة، فالحاصل أن القراءة المتفق عليها لم يخرجها إلا على الوجه الأفصح بخلاف الشاذة فجوز تخريجها على خلافه فلما جوز في الشاذة ومنع في المتفق عليها علم أن المتفق عليها إنما تخرج على الأفصح بخلاف الشاذة. قوله: (انه جوز ذلك) أي: رفع الجواب. قوله: (على تأويله بالماضي) أي: فيؤول تكونوا بكنتم فيفرض ما ليس واقعاً واقعاً فيفرض أينما تكونوا واقعاً. قوله: (على حذف (الفاء) أي مع المبتدأ أي: فالجملة اسمية أي: فأنتم يدرككم. قوله: (ويجوز أن يقال الخ) وهذا هو محل الشاهد قوله: (محمول الخ) أي: فيدرككم مرفوع لكونه جواب شرط ماض تأويلاً فيؤول تكونوا بكنتم قوله: (وهو) أي: ما يقع موقعة هو أينما كنتم قوله كما حمل ولا ناعب أي فناعب مجرور عطف على مصلحين خبر ليس باعتبار تأويله يمصلحين وقوله ولا ناعب تمامه إلا يبن غرابها. قوله: (ولا ناعب) أول البيت:
  مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً
  ولا ناعب قوله: (وهو ليسوا) بيان لما يقع موقعة.