الجهة الخامسة:
  خروف فواضح؛ وإن قيل باشتراطه فوجهه أن {يُرِيكُمُ} بمعنى: يجعلكم ترون، والتعليل باعتبار الرؤية لا الإراءة، أو الأصل إخافة وإطماعاً، وحذفت الزوائد.
  وتقول: «جاء زيد رَغبة» أي يرغَبُ رغبة، أو: مجيء رغبة، أو راغباً، أو للرغبة؛ وابن مالك يمنع الأوّل، لما مرَّ؛ وابن الحاجب يمنع الثاني، لأنه يؤدّي إلى إخراج الأبواب عن حقائقها، إذ يصح في «ضَرَبْتُه يَوْمَ الجمعةِ» أن يقدر «ضرب» يوم الجمعة؛ قلت: وهو حذف بلا دليل، إذ لم تذعُ إليه ضرورة، وقال المتنبي [من البسيط]:
  ٧٩٩ - أَبْلَى الْهَوَى أَسَفاً يَوْمَ النَّوَى بَدَنِي ... [وَفَرَّقَ الْهَجْرُ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْوَسَنِ]
  مرتبط بالمفعول لأجله. قوله: (فواضح) أي: جعل خوفاً وطمعاً مفعولاً لأجله، أو فاعل الإراءة هو الله وفاعل الخوف والطمع المخاطبون. قول: (فوجهه) أي: مع أن فاعل يرى هو الله وفاعل الخوف والطمع هو المخاطب، فاختلف الفاعل قوله: (باعتبار الرؤية) أي: وفاعل الرؤية المخاطب كما أن فاعل المصدر كذلك قوله: (باعتبار الخ) تحقيق ذلك ان يقال ان الكاف في يريكم مفعول الآن وفي الأصل فاعل فنظر لفاعل الفعل الأصلي، فأصل يريكم ترون من رأي ثم دخلت الهمزة فصار أرى، ثم أخذ منه يريكم فصارت الكاف مفعولاً بعد أن كانت فاعلاً فالاتحاد في الفاعل الأصلي كاف. قوله: (لا الإراءة) أي: التي فاعلها المولى قوله: (أو أصل إخافة وأطماعاً) أي: وفاعل الإخافة والإطماع هو الله كما أنه فاعل الإراءة. قوله: (يمنع الأول) أي: التقدير الأول لما يلزم عليه من حذف عليل المصدر المؤكد وهو ممنوع عنده. قوله: (يمنع الثاني) أي: التقدير الثاني؛ لأن تقديره كذلك يؤدي إلى إخراج رغبة عن كونه مفعولاً مطلقاً إلى كونه مضافاً إليه. قوله: (قلت الخ). هذا تقوية لما قاله ابن الحاجب من منع التقدير الثاني. قوله: (بلا دليل المناسب بلا فائدة بدليل التعليل وإلا فالدليل هو الفعل المتقدم قبله فهو دليل على حذف المصدر. قوله: (أبلى الهوى أسفاً الخ) تمامه:
  وفرق الهجر بين الجفن والوسن
  كفى بجسمي نحولاً إنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
  قوله: (أبلى الهوى) يقال أبلاده إذا جعله بالياً والأسف أشد الحزن، والوسن: النعاس.
٧٩٩ - التخريج: البيت للمتنبي في (ديوانه ٤/ ٣١٧؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٦٤٨).
اللغة: أبلى أمرض الوسن النعاس. الأسف. شدة الحزن.
المعنى: لقد عراني الحب، وتفرق الأحباب، فصارت حالي لا تسر أحداً، وما زال طيفكم معي في صحوتي ومنامي.