حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة السادسة

صفحة 279 - الجزء 3

  الإخبار عن النكرة المُخَصَّصة المقدَّمة بالمعرفة جائز، نحو: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}⁣[آل عمران: ٩٦].

  ومن ذلك قول الفارسي في «مَرَرْتُ بِرَجُلِ مَا شِئْتَ مِنْ رَجُلٍ»: إن «ما» مصدرية، وإنها وصلتها صفة لـ «رجل»، وتبعه على ذلك صاحب الترشيح، قال: ومثله قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ٨}⁣[الانفطار: ٨] أي: في أي صورة مشيئته أي يشاؤها؛ وقول أبي البقاء في {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ}⁣[آل عمران: ٦٤] إِنَّ «أنْ» وصلتها بدل من «سواء»، وبدل الصفة صفة، والحرف المصدري وصلته في نحو ذلك معرفة، فلا يقع صفة للنكرة. وقول بعضهم في {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ١ الَّذِي جَمَعَ}⁣[الهمزة: ١ - ٢] إن «الذي» صفة.

  والصواب أن «ما» في المثال شرطية حذف جوابها، أي فهو كذلك، والصفة الجملتان معاً.

  وأما الآية الأولى فقال أبو البقاء: «ما» شرطيَّة أو زائدة، وعليهما فالجملة صفة


  وظاهره مطلقاً ولو كانت النكرة مخصصة فيرد المنع حينئذ الذي ذكره المصنف بقوله فقد الخ اهـ تقرير شيخنا دردير قوله: (إن أول بيت) أي: فبيت نكرة والمضاف إليه وهو أول كذلك وقد أخبر عنه بالمعرفة وهو له للذي وذلك لتخصيصه بالوصف، وظاهر الزمخشري جعل المعرفة مبتدأ مطلقاً ولا تجعل النكرة مبتدأ أصلاً.

  قوله: (ما شئت من رجل) أي: برجل مشيئتك واعترض بأن اللفظ في كلام الفارسي لا يحمل على ظاهره بل لا بد من تقدير أي مشيئتك أي برجل يماثل مشيئتك بمعنى أنه على وفقها فكلامه صحيح، وأجيب بأن الاعتراض بالنظر للظاهر من غير تقدير هذا حاصل ما قاله الدماميني. قوله: (صفة لرجل) أي: مشيئتك أي مشيء لك وعلى وفق مرادك ووجه الوهم ما يأتي للمصنف من أن حرف المصدري مع صلته معرفة فسقط ما في الدماميني والشمني. قوله: (في نحو ذلك) يريد أن يكون الفعل الواقع بعدما مسنداً إلى معرفة كالضمير في الآية حتى لو كان مسنداً إلى نكرة لم يكن المصدر معرفة، وقوله في نحو ذلك معرفة المراد بالحرف المصدري أن وأن لأنهما. صلتهما يحكم لهما بحكم الضمير. قوله: (والحرف المصدري) بيان للوهم في جميع ما مر. قوله: (الجملتان معاً) أي: جملة الشرط والجواب فما شرطية وشئت فعل الشرط، وقوله من رجل بيان لما أي مررت برجل موصوف بكونه أي رجل شئته فهو كذلك أي من تشاؤه وأي رجل شئته فهو كذلك أي فهو مثل من تشاؤه أي فجميع صفات الرجال الممدوحة فيه وهذا معنى دقيق.

  قوله: (وأما الآية) أي: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ٨}⁣[الانفطار: ٨]. قوله: (وعليهما) أي: فالمعنى في أي صورة شاء ركبك عليها أو إن شاء ركبك عليها.