حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة السادسة

صفحة 281 - الجزء 3

  هذا هو الصواب، خلافاً لمن أجاز وصف النكرة بالمعرفة مطلقاً، ولمن أجازه بشرط وَصْفِ النكرة أو لا بنكرة، وهو قول الأخفش، زعم أن {الْأَوْلَيَانِ} صفة لـ {آخَرَانِ} في {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا}⁣[المائدة: ١٠٧] الآية لوصفهما بيقومان، وكذا قال بعضهم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ٣٦ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}⁣[النساء: ٣٦ - ٣٧].

  ومن ذلك قولُ الزمخشري في {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ}⁣[سبأ: ٤٦]: إن {أَنْ تَقُومُوا} عطف بيان على «واحدة»؛ وفي {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}⁣[آل عمران: ٩٧]: إنه عطف بيان على {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}⁣[آل عمران: ٩٧]، مع اتفاق النحويين على أن البيان والمبين لا يتخالفان تعريفاً وتنكيراً، وقد يكون عَبَّر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما؛ ويؤيده قوله في {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}⁣[الطلاق: ٦]: إن {مِنْ وُجْدِكُمْ} عطف بيان لقوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} وتفسير له؛ قال: و «من»: تبعيضية حُذف مبعضها، أي أسكنوهنّ مكاناً من مساكنكم مما تُطِيقون، اهـ. وإنما يريد البدل لأن الخافض لا يُعاد إلا معه وهذا إمام الصناعة سيبويه يُسمي التوكيد صفة، وعطف البيان صفةً كما مر.


  قوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ١ الَّذِي جَمَعَ مَالًا}⁣[الهمزة: ١ - ٢]، وقوله وهو قول الأخفش راجع لقوله ولمن أجازه بشرط الخ. قوله: (زعم ان الأولياء صفة) أي: والحق أنه بدل. قوله: (ومن ذلك) أي: من الوهم في الثاني.

  قوله: (لا يتخالفان الخ) أي بل إما أن يكون معرفتين فقط كما يقول البصريون أو ونكرتين أيضاً كما يقول الكوفيون، وأما جواز اختلافهما فلم يقل به أحد، وحينئذ فالصواب جعل أن تقوموا الله بدلاً من واحدة وجعل مقام إبراهيم بدلاً من آيات بينات. قوله: (تعريفاً) أي: وأن تقوموا معرفة لتأويله بقيامكم وكذا مقام إبراهيم معرفة وهو ظاهر. قوله: (وقد يكون) أي: الزمخشري كما أن ضمير قوله قال بعد ذلك عائد عليه، وقوله وقد يكون الخ جواب عن الزمخشري وحاصله أن مراده بعطف البيان البدل وعبر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما إذ كل ما جاز أن يكون بياناً جاز أن يكون بدلاً إلا ما استثني قوله: (اسكنوهن من حيث سكنتم) أي: أسكنوهن مكاناً. من الأمكنة التي تسكنونها مما تطيقونه. قوله: (ومن) أي: الداخلة على حيث تبعيضية. قوله: (وإنما يريد) أي: بالبيان البدل قوله: (إمام الصناعة) بدل من هذا أي وإذا كان يسمي هذين صفة فالأولى تسمية البدل بياناً لأنه مؤاخ للبيان إذ كل ما كان بياناً كان بدلاً إلا فيما استثنى. قوله: (كمنع الصرف) أي فإنه لا يكون في النكرة لأنها مصروفة والمعارف المضمرات والمبهمات منها مبنية فلا تكون مصروفة ولا ممنوعة منه فلم يبق للمنع من الصرف إلا