حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة السادسة

صفحة 288 - الجزء 3

  ليصح رفعه بالابتداء والمشهور أنه عطف على ما قبله و «ابتدعوها»: صفة؛ ولا بد من تقدير مضاف، أي: وحب رهبانية، وإنما لم يحمل أبو علي الآية على ذلك لاعتزاله، فقال: لأن ما يبتدعونه لا يخلقه الله ø؛ وقد يُتَخَيَّلُ ورود اعتراض ابن الشجري على أبي البقاء في تجويزه في {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}⁣[الصف: ١٣] كونه كـ «زيداً ضربته»، ويجاب بأن الأصل وصِفَة أخرى»، ويجوز كون {تُحِبُّونَهَا} صفة، والخبر إما «نصر»، وإما محذوف أي ولكم نعمة أخرى، و «نصر»: بدل أو خبر لمحذوف، وقول ابن ابن مالك بدر الدين في قول الحماسي [من الرمل]:

  ٨١١ - فَارِساً مَا غَادَرُوهُ مُلْحَماً ... [غَيْرَ زُمَيْلِ وَلا يَكْسِ وَكِلْ]


  قوله: (وحب رهبانية) أي: لأنه الذي يتعلق بالقلب لا نفس الرهبانية وهذا بناء على أن المراد الرهبانية بالأعضاء الظاهرية قوله: (أبو علي) أي: الفارسي.

  قوله: (على ذلك) أي: على العطف وحاصله أنه لو جعل ورهبانية عطفاً على ما قبله لكان في الكلام تناقض، وذلك أن مفاد العطف يقتضي أن تكون الرهبانية مخلوقة الله والوصف بالابتداع يقتضي أنها مخلوقة لهم وما كان مخلوقاً لهم لا يخلقه الله فهو تناقض، فعدل الفارسي عن العطف وجعله من باب الاشتغال والتناقض مبني على مذهبه من أن الوصف بابتداعهم لها ينافي كونها مخلوقة الله إذ ما يبتدعونه لا يخلقه الله عنده. قوله: (لاعتزاله) أي: لأنه كان من المعتزلة. قوله: (في تجويزه في وأخرى الخ) أي: فيقال إن أخرى نكرة غير مختصة وشرط المنصوب في باب الاشتغال أن يكون مختصاً ليصح رفعه بالابتداء. قوله: (بأن الأصل الخ) أي: فالموصوف المحذوف مختص فيجوز حينئذ نصبه على أنه من باب الاشتغال. قوله: (ويجوز كون تحبونها صفة) أي: لأخرى الواقعة مبتدأ. قوله: (أو خبر) أي: هي نصر قوله: (فارساً الخ) قال الدماميني: هذا صدر بيت عجزه:

  غير زميل ولا نكس وكل

  والبيت في الحماسة منسوب لامرأة. من بني الحرث ولم أر فيها النصب في فارساً، وإنما رايته فيها مرفوعاً ولعل النصب رواية وما زائدة وغادروه تركوه وملحماً بضم الميم


٨١١ - التخريج البيت لعلقمة الفحل في (ديوانه ص ١٣٣؛ وله أو لامرأة من بني الحارث في شرح شواهد المغني ٢/ ٦٦٤؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٥٣٩؛ ولامرأة من بني الحارث في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٠٧؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٥٠١).

اللغة: غادروه: تركوه في مكانه. المُلْحَم الذي تغشاه الحرب من كل جانب فلا يجد لنفسه مخلصاً. الزميل: الجبان النكس: الضعيف. وكل: عاجز.

المعنى يقول: تركوا فارساً مغواراً في حومة الوغى، لا جباناً عاجزاً لكواسر الوحوش وجوارح الطير.