حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثالث عشر: قولهم: «ينوب بعض حروف الجر عن بعض»

صفحة 469 - الجزء 3

  رُوي «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ». قال الزجاج: ذُكِر «العسر» مع الألف واللام ثم ثُنّي ذكره؛ فصار المعنى: إن مع اليسر يسرين، اهـ.

  ويشهد للصورتين الأوليين أنك تقول: «اشتريتُ فرساً ثم بعث فرساً»، فيكون الثاني غير الأول؛ ولو قلت: «ثم بعتُ الفرس»، لكان الثاني عين الأول، وللرابع قول الحماسي [من الهزج]:

  ٨٩٦ - صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذَهْلِ ... وَقُلْنَا: الْقَوْمُ إِخْوَانُ


  إنما كانت عيناً في هذه بناءً على كون المذكر ثانياً معهوداً سابقاً في الذكر، وقوله: أو أعيدت المعرفة معرفة إنما كان الثاني عيناً في هذه حملاً له على المعهود الذي هو الأصل في اللام والإضافة، وأما قوله أو نكرة جعله عيناً في هذه بناءً على أحد قولين ذكرهما ابن السبكي في هذه ومشى العلامة السعد في التلويح على أن المعرفة إذا أعيدت نكرة تكون غير أو هو القول الثاني. قوله: (قال الزجاج الخ) محصله أن العسر ذكر ثانياً معرفة واليسر ذكر ثانياً نكرة فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهذا معترض فإن قول القائل إن مع الفارس سيفاً ان الفارس سيفاً لا مع يوجب أن يكون الفارس واحد أو السيف اثنين بل معنى الحديث لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد الله المؤمنين فيها واليسر الذي وعدهم به في الآخرة وإنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا وأما يسر الآخرة فدائم غير زائد. قوله: (ذكر العسر) أي: في سورة الانشراح وقوله ثم ثنى ذكره أي: معهما.

  قوله: (إن مع العسر يسرين) أي: ولا شك أن العسر إذا صاحبه يسران لا يغلبهما. قوله: (ويشهد للصورتين) أي: وهما إعادة النكرة نكرة وإعادة النكرة معرفة. قوله: (وللرابع) وهو إعادة المعرفة نكرة وذكره على تأويل القسم وإلا فمقتضى قوله الأوليين أن يقول الرابعة ولم يتعرض للثالث وهو إعادة المعرفة معرفة؛ لأنه ذكر أولاً ما يشهد له وهو ما حكاه عن الزجاج. قوله: (صفحنا الخ) معناه عفونا وحقيقته أعرضنا عنهم ووليناهم صفحة أعناقنا ووجوهنا أي: جانبها فلم نؤاخذهم بما كان منهم ومعنى قوله: يرجعن قوماً كالذي كانوا يردد أمرهم إلى الائتلاف والتواد كالذي كانوا عليه ويجوز أن يكون المراد كالذين كانوا فحذفت النون تخفيفاً كما في قول الشاعر:

  وأن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد


٨٩٦ - التخريج: البيتان للفند الزماني (شهل بن شيبان) في (أمالي القالي ١/ ٣٢؛ وحماسة البحتري ص ٥٦؛ والحيوان ٦/ ٤١٥؛ وخزانة الأدب ٣/ ٤٣١؛ وسمط اللآلي ص ٥٧٨؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٤٤؛ والمقاصد النحوية ٣/ ١٢٢).

اللغة: صفحنا: عفونا وسامحنا تكبراً وتعففاً.

المعنى: لقد عفونا عن بني ذهل فعسى الزمان أن يعيد لهم إلفتهم ومحبتهم فيما بينهم.