حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

وهي كثيرة، والذي يحضرني الآن منها عشرون موضعا

صفحة 470 - الجزء 3

  عسى الأيامُ أَنْ يَرْجغنَ ... قَوْما كالذي كانوا

  ويُشْكِلُ على ذلك أمور ثلاثة.

  أحدها: أنَّ الظاهر في آية {أَلَمْ نَشْرَحْ}⁣[الانشراح: ١] أن الجملة الثانية تكرار للجملة الأولى، كما تقول: «إنَّ لزيد داراً إن لزيد داراً» وعلى هذا فالثانية عَيْنُ الأولى.

  والثاني: أنَّ ابن مسعود قال: لو كان العسرُ في جُحْر لطلبه اليُسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين، مع أن الآية في قراءته وفي مصحفه مرة واحدة؛ فدل على ما ادعيناه من التأكيد وعلى أنه لم يَسْتَنِدْ تكرُّر اليسر من تكرره، بل هو من غير ذلك، كأن يكون فَهِمَه ممّا في التنكير من التفخيم فتأوَّله بيسر الدارين.

  والثالث: أن في التنزيل آيات تردُّ هذه الأحكام الأربعة، فيشكل على الأول قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}⁣[الروم: ٥٤] الآية، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}⁣[الزخرف: ٨٤]، والله إله واحد سبحانه وتعالى؛ وعلى الثاني قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}⁣[النساء: ١٢٨]، فالصلح الأوّل خاص، وهو الصلح بين الزوجين، والثاني عام، ولهذا يُسْتَدلَّ بها على


  قوله: (قوماً) أي: أن يرجعن القوم الأول. قوله: (ويشكل على ذلك) هذا وارد على الأولى. قوله: (فالثانية) أي: فالنكرة الثانية قوله: (لو كان العسر الخ) أي: إن العسر لا ينفك عنه اليسر، فإذا فر لحقه. قوله: أنه (لن يغلب الخ) هذا يدل على أن اليسر الثاني الأول، وقوله: مع أن أي على أن الخ، وقوله فدل أي: ما ذكر من قراءته وما في مصحفه، والحاصل أن قوله لن يغلب الخ يدل على تكرار اليسر وقراءته وما في مصحفه يدل على اتحاده وحينئذ فتكراره في الآية على غير قراءته تأكيد فلعله فهم تكرر اليسر من غير الآية وحينئذ فدعوى أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الم تتم. قوله: (وعلى أنه لم يستفد تكرر اليسر) أي: في قوله لن يغلب عسر يسرين وقوله: من تكرره أي: في الآية قوله: (بيسر الدارين) أي: لن يغلب عسر الدنيا يسر الدنيا ويسر الآخرة بل يسر الدنيا فقط، وأما يسر الآخرة فهو دائم لا يزول.

  قوله: (الله الذي خلقكم من ضعف) أي: من ذي ضعف وهو الماء المهين، وقوله: ثم جعل من بعد ضعف قوة أي ثم جعل من بعد ضعف آخر وهو ضعف الطفولية قوة الشباب، وقوله: ثم جعل من بعد قوة أي من بعد قوة الشباب ضعفاً وشيبة أي: ضعف الكبر وشيب الهرم والشاهد في قوة الأول والثاني فإنهما نكرتان بمعنى واحد. قوله: (والثاني عام) يعني فلا يكون الثاني عين الأول؛ لأن المراد من كون الثاني عين الأول أن