فصل وأول ما يحترز منه المبتدئ
  فإن قيل: سكنتِ الياء للتخفيف، كقوله [من البسيط]:
  ٩٠٣ - هُوَ الْخَلِيفَةُ فَارْضُوا مَا رَضِي لَكُمُ ... [ماضي العَزِيمَةِ ما في حُكْمِهِ جَنفُ]
  وأقيم ضمير المصدر مقام الفاعل.
  قلنا: الإسكان ضرورة، وإقامة غير المفعول به مقامه مع وجوده ممتنعة، بل إقامة ضمير المصدر ممتنعة، ولو كان وَحْدَه؛ لأنه مبهم.
  ومما يشتبه نحو: {تَوَلَّوْا} بعد الجازِمِ والنَّاصر اصب، والقرائن تبين؛ فهو في نحو: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}[التوبة: ١٢٩] ماض؛ وفي نحو: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ
  فاعل قوله: (الإسكان ضرورة) قد يقال إنه لا بعد في تخفيف الياء بالإسكان في غير الضرورة ولا بعد أيضاً في إقامة المصدر مقام الفاعل لأن اقتضاء الفعل للمصدر أبلغ من اقتضائه للمفعول به لأن كل فعل لازم أو متعدٍ لا بد له من مصدر إلا ما شذ فكان قيامه مقام الفاعل أولى من قيام المفعول به خصوصاً في موضع يكون الغرض منوطاً بذكر الفعل وهو التنجية هنا، وإذا أقيم المصدر مقام الفاعل نصب المؤمنين بالفعل لأن المصدر قام مقام الفاعل فبقي المؤمنين مفعولاً به صريحاً وتقديره ونجى النجاء المؤمنين أو نقول نجى فعل مضارع أدغم نونه في الجيم وأصله ننجي ونقول هذه القراءة تدل على جواز هذا الإدغام فإن العربية تؤخذ من القرآن المعجز بفصاحته، وقول من قال إنه لم يجيء عن العرب مثل هذا مشيراً إلى أنه أحاط بجميع كلام العرب ففيه تحجير واسع وكيف يجوز الاحتجاج والأخذ بأقوال نقلها عن العرب من لا يعتمد عليه لجهله أو لعدم عدالته ويترك الأخذ والتمسك بما ثبت تواتره عمن ثبتت عصمته عن الغلط رسول الله ﷺ أفصح العرب مع قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] هـ ... دماميني.
  قوله: (ولو كان وحده) أي: بأن لم يكن هناك مفعول به فما بالك إذا كان هناك مفعول به كما هنا وحيث بطل كونه فعلاً ماضياً فتعين جعله مضارعاً وأصله ننجي بسكون ثانية فأدغمت النون في الجيم وضعف هذا التخريج بأن النون عند الجيم تخفى ولا تدغم، وقد ذكر المصنف في آخر الجهة الرابعة من الباب الخامس أنه قد يكون الموضع لا يتخرج إلا على وجه مرجوح فلا حرج على مخرجه كقراءة ابن عامر وعاصم وكذلك نجي المؤمنين وذكر هنا التخريج الذي ذكره هنا والتخريج الذي ذكرناه.
٩٠٣ - التخريج البيت لجرير في (ديوانه ص ١٧٥؛ ولسان العرب ٨/ ١٩٥ (صدع)؛ والمحتسب ١/ ١٤١).
اللغة: ماضي العزيمة ثابت لا يتردد. جنف: ميل.
المعنى: إن الخليفة العادل الذي يتخذ قراره السليم وينفذه بعزم وقوة هو الخليفة الجدير بالطاعة، وهذا حال خليفتكم الذي لا يميل ولا يحيد عن الحق في أحكامه.