· (إذ) على أربعة أوجه
  والجمهور لا يُثبتون هذا القِسْمَ، ويجعلون الآية من باب: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}[الكهف: ٩٩] وغيرها أعني من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع، وقد يحتج لغيرهم بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ٧٠ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}[غافر: ٧٠ - ٧١] فإنَّ {يَعْلَمُونَ ٧٠} مستقبل لفظاً ومعنى؛ لدخول حرف التنفيس عليه، وقد أعمل في «إذ»؛ فيلزم أن يكون بمنزلة «إذا».
  والثالث: أن تكون للتعليل، نحو: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ٣٩}[الزخرف: ٣٩]، أي: ولن ينفعكم اليوم أشتراككم في العذاب؛ لأجل ظلمكم في الدنيا، وهل هذه حرفٌ بمنزلة لام العلّة أو ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ؛ فإنه إذا قيل: ضَرَبْتَهُ إذ أساءَ، وأريد بـ «إذ» الوقتُ، اقتضى ظاهر الحالِ أن الإساءة سبب الضرب؟ قولان، وإنما يرتفع السؤال على القول الأول؛
  زلزلت الأرض وهو يوم النفخة الثانية وهو مستقبل قوله: (والجمهور لا يثبتون هذا القسم) أي: الاستقبال ويجعلونها للمضي دائماً. قوله: (ونفخ في الصور) أي: فإنه مستقبل فنزله منزل الواقع بالفضل فعبر بالماضي فكذلك يومئذ تحدث نزل التحديث المستقبل منزلة الماضي المتحقق فمن هذه الحيثيه ساغ جعل إذ ظرفاً له وبعد أن أريد الماضي كان حقه أن يعبر به لكنه عبر بالمضارع استحضاراً للصورة العجيبة وهذا من أسرار البلاغة. قوله: (مستقبل لفظاً ومعنى) أي: لأنه مضارع قوله: (لدخول حرف التنفيس) علة لقوله معنى وأجاب الدماميني بأن حرف التنفيس لا يمنع من تنزيل المستقبل منزلة الماضي فسوف دخلت من حيث استقبال المعنوي ثم إن هذا الأمر المستقبل نزل منزلة الماضي فساغ حينئذ جعل إذ ظرفاً له، وقد أشار المصنف بقوله وقد يحتج إلى أن هذا الجواب ممكن اهـ تقرير دردير قوله: (فيلزم أن يكون بمنزلة إذا) أي: للاستقبال. قوله: (إذا ظلمتم) هو تعليل لنفي النفع المأخوذ من لن أي أنهم لعظم ما هم فيه لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب بحيث يتسلون ويتأسون به كما كان في دار الدنيا من أن المصيبة إذا عمت هانت قوله: (أي ولن ينفعكم الخ) أشار بذلك إلى أن ينفعكم فعل مضارع وإنكم في العذاب مشتركون فاعله وقوله إذا ظلمتم تعليل له وهذا إعراب من أعاريب ثلاثة وسيأتي الإثنان الباقيان قوله: (أي ولن ينفعكم اليوم) أي: كما كان عموم البلوى يطيب القلوب في الدنيا. قوله: (فإنه إذا قيل) علة لقوله والتعليل مستفاد من قوة الكلام. قوله: (اقتضي ظاهر الحال) أي: لأن تعليق الحكم بوصف يشعر بغلبته. قوله: (قولان) أي: هذا لاحتمالان قولان قوله: (وإنما يرتفع السؤال) أي: الإشكال الذي سيورده قريباً الآتي في قوله ويبقى الخ. قوله: (على القول الأول) أي: وهو جعل إذ حرف علة، وأما على القول الثاني وهو جعلها ظرفاً والتعليل مستفاد من قوله الكلام فلا يرتفع ذلك السؤال لكن كان عليه أن يقول بدل قول فإنه لو قيل على إنه لو قيل الخ، ويكون إشكالاً ثانياً حاصله