حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (بلي) حرف جواب أصلي الألف

صفحة 307 - الجزء 1

  إبطاله، سواء كان مجرداً، نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي}⁣[التغابن: ٧] أم مقروناً بالاستفهام، حقيقيًا كان نحو: «أَلَيْسَ زَيْد بقائم»، فتقول: بلى، أو توبيخيا، نحو: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى}⁣[الزخرف: ٨٠]، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ٣ بَلَى}⁣[القيامة: ٣ - ٤]؛ أو تقريريًا، نحو: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى}⁣[الملك: ٨ - ٩] {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}⁣[الأعراف: ١٧٢]، أجْروا النفي مع التقرير مُجرى النفي المجرّد في رده بـ «بلي»، ولذلك قال ابن عباس وغيره لو قالوا: «نعم» لكفروا، ووجْهُهُ أن «نعم» تصديق للمُخْبِرِ بنفي أو إيجاب، ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال «أليس لي عليك ألف»، فقال: «بلي» لزمته، ولو قال: «نعم» لم تلزمه. وقال آخرون: تلزمه فيهما، وجَرَوْا في ذلك على مقتضى العُرْفِ لا اللغة، ونازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر مُوجَب، ولذلك امتنع سيبويه من جعل «أم» متصلة في قوله تعالى: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ ٥١ أَمْ أَنَا خَيْرٌ}⁣[الزخرف: ٥١ - ٥٢] لأنها لا تقع بعد الإيجاب،


  إما بباء المضارعة التحتية على أنه مسند لضمير يعود على قول حرف جواب والجملة صفة له أو على بلى على تذكيره باعتبار اللفظ والجملة خبر ثان، وإما بالتاء الفوقية على إنه مسند لضمير بلى وأنت باعتبار إنها كلمة وعلى هذا فالجملة خبر ثان اهـ دماميني. قوله: (سواء كان) أي: النفي مجرداً أي عن الاستفهام. قوله: (قل بلى) أفادت نفي عدم البعث. قوله: (حقيقياً) أي: كان ذلك الاستفهام. قوله: (بلي) أي: بلى نسمع ذلك فأبطلت نفي عدم السماع الذي تعلق به الحسبان الموبخ عليه قوله: (أو تقريرياً) وهو الذي طلب به تقرير المخاطب وحمله على الإقرار بما بعده، فالمولى في الآية طلب من المخاطبين أن يقروا بمجيء النذير قوله: (قالوا بلى) أي: أتانا النذير فبلى نفت عدم إتيان النذير. قوله: (قالوا بلى) أي بل أنت ربنا قوله: (أجروا النفي) فاعل أجروا ضمير عائد على العلماء.

  قوله: (المجرد) أي: عن التقرير. قوله: (ولذلك) أي: ولأجل إجرائهم النفي مع التقرير إجراء النفي المجرد من التقرير قوله: (تصديق للمخبر بنفي وإيجاب) والواقع في الآية نفي فلو أجيب بنعم لكان معناه لست بربنا وهو كفر والعياذ بالله تعالى منه. قوله: (لزمته) أي: الألف لأن بلى تفيد إبطال النفي فكأنه قال بلى لك على ألف فهو إقرار بالألف فتلزمه قوله: (لم تلزمه) إذ معناه ليس لك على ألف وهذا ليس إقراراً بثبوت الألف عليه فلا تلزمه. قوله: (على مقتضى العرف) أي: الجارية عندهم في ذلك. قوله: (في المحكي) أي: من أنهم لو قالوا نعم كفروا. قوله: (في الآية) هي ألست بربكم. قوله: (لأنها لا تقع بعد الإيجاب) هذا معارض لما حكاه الكلام على أم عن سيبويه من أنه يراها في هذه الآية متصلة والحق ما ذكره هنا من أنها منقطعة؛ لأن هذا هو الواقع منه لكن