الثالث من أوجه «حتى»: أن تكون حرف ابتداء
  القوم يشمل أبناءهم، واسم الجارية لا يشمل ابنها. ويظهر لي أن الذي لحظه ابنُ مالك أن الموضع الذي يصح أن تحل فيه «إلى» محلّ «حتى» العاطفة فهي فيه محتملة للجارة، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجارّ عند قصد العطف، نحو: «اعْتَكَفْتُ في الشهر حتى في آخره» بخلاف المثال والبيت السابقين. وزعم ابن عصفور أن إعادة الجاز مع «حتى» أحسن، ولم يجعلها واجبة.
  الثالث من أوْجُهِ «حتى»: أن تكون حرف ابتداء: أي حرفاً تُبتدأ بعده الْجُمَلُ، أي تستأنف، فيدخل على الجملة الاسمية، كقول جرير [من الطويل]:
  والقرينة هنا قائمة إضافة البنين إلى ضمير القوم فعلم أن المراد القوم غير بنيهم وإلا لم يصح الإضافة لما فيه من إضافة الشيء إلى نفسه، وحينئذ يستوي المثالان في أن إلى حتى فيهما ليس بعضاً مما قبلها لكنه في مثال الجارية علم من جهة الوضع، وفي مثال القوم علم من القرينة. قوله: (ويظهر لي الخ) جواب عما يقال إذا كان البنون بعض القوم ومعلوم أن البائس بعض الخلق فحينئذ لأي شيء تعين العطف مع أن الجارة والعاطفة اشتركتا في اشتراط أن يكون ما بعدها بعضاً أو كبعض وحاصل الجواب إن ابن مالك لاحظ أن الجارة ما يحل محلها إلى وهي ممتنعة في المثال والبيت. قوله: (فهي فيه) أي: في ذلك الموضع محتملة للجارة أي كما أنها محتملة للعاطفة فيحتاج حينئذ أي حين إذ ذلك يقع الاحتمال بسبب ذلك. قوله: (عند قصد العطف) أي: ليتعين المراد ويرتفع الاحتمال قوله: (حتى في آخره) يتعين إعادة في لأنك لو حذفتها وقلت حتى آخره لصح حلول إلى فتقول إلى آخره فتعين إعادة في ليحصل الفرق بين الجارة والعاطفة لأنه عند الإعادة يرتفع احتمال كونها جارة إذ لا يدخل حرف جر على مثله قوله: (بخلاف المثال البيت) أي: فإن إلى لا يصح حلولها محل حتى أما في المثال فلأنه لا يصح عجبت من القوم إلى بينهم لأنه ليس المراد عجبت من القوم شيئاً فشيئاً حتى انتهى إلى البنين بل المراد العجب من القوم والعجب من البنين وأيضاً إن من لا تقابل بحتى الجارة بمعنى إلى، وأما في البيت فلأن لفظ قاضي يقتضي التعميم دفعة واحدة خصوصاً والمقام مقام مدح، فلو كانت بمعنى إلى فتقضي التدريج هذا هو الصواب في فهم كلام المصنف خلافاً لما قاله الشارح الدماميني لا مانع من إلى في المثال والبيت اهـ تقرير دردير. قوله: (إن إعادة الجار مع حتى) أي: العاطفة. قوله: (أحسن ولم يجعلها واجبة) وجهه أن إعادة الجار إنما هو لرفع احتمال كونها جارة ولا يشترط في صحة الكلام أن يكون نصاً في المقصود بحيث ينتفي عنه الإجمال اهـ دماميني. قوله: (وإن ما بعدها على إضمار عامل) والتقدير في الأول حتى جاء أبوك وفي الثاني حتى رأيت أباك وفي الثالث حتى مررت بأبيك. قوله: (أي حرفاً تبتدأ بعده الجمل) أي: وليس المراد أنها حرف يلزم أن يقع المبتدأ بعدها والخبر. قوله: (على الجملة الإسمية) قال الرضى ويلزم أن يكون خبر المبتدأ فيها من جنس الفعل المتقدم