حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الباب الأول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها

صفحة 39 - الجزء 1

  وأحْيا: فعل مضارع، والأصل أأحْيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحْيا وأقل شيء قاسيته قد قتل غيري؛ والأخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أَمْنِ اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}⁣[الشعراء: ٢٢]، وقوله تعالى: {هَذَا رَبِّي}⁣[الأنعام: ٧٧] في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأنَّ مثل ذلك يقوله مَنْ يُنْصِف خَصْمه مع عِلْمِهِ بأنه مُبطل؛ فيحكي كلامه ثم يكر عليه بالإبطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}⁣[البقرة: ٦]؛ وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل


  الكلام لا حذف فيه، وإن في الكلام حذفاً من الأول لدولة الثاني والأصل أحيا ما قاسيت وأيسر ما قاسيت ما قتلا والمراد عليه بقوله أحيا أي: أفر له بشيء من الحياة ووجه؛ لأنه من وحي الشيء إذا كان فيه حياة كأنه قال أظهر شيء فيه حياة. قوله: (والواو) أي: في قوله وأيسر الخ. قوله: (يقيس ذلك)، أي: الحذف مطلقاً سواء تقدمت على أم أو لا. قوله: (يقيس ذلك في الاختيار) أي: وخرج ومن باب أولى الضرورة قوله عند أمن اللبس أي وإلا منع اتفاقاً، قوله: (وحمل عليه أي: وخرج عليه أي جعل منه) أي من حذف الهمزة عند أمن اللبس ووجه عدم اللبس هنا عند الحذف أن تعبيد فرعون لبني إسرائيل أي: اتخاذهم عبيداً أو خدمة ليس نعمة بل هو نقمة فكيف يتوهم الإخبار بأنه نعمة وحاصله أن فرعون قال لموسى أنت تدعوني بغير ديني، وأنا اتخذت بني إسرائيل عبيداً، فقال له سيدنا موسى منكراً عليه وتلك نعمة الخ، أي: ينبغي لك أن تجعل هذه نعمة، وإذا كانت هذه لا تعد نعمة فلم يصح جعلها نعمة بل المعنى على الاستفهام التوبيخي.

  قوله: (في المواضع الثلاثة) أي: المذكور في قوله تعالى، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً الخ، ووجه عدم الالتباس بالخبر أن من المعلوم أنه لا يشك في إيمان سيدنا إبراهيم فكيف يقول على الكوكب هذا ربي فلا ينبغي إلا أن يجعل المعنى على الاستفهام التوبيخي. قوله: (والمحققون على أنه) أي الكلام الواقع في السورتين، قوله: (من ينصف خصمه) أي: من حيث مجاراته له الموجب لعدم شدة النفار، ثم يكر عليه بالإبطال فيكون أشد إبطالاً ففرعون لما اعتقد أن تخديمه لبني إسرائيل جاراه موسى، ثم كر عليه وبين له أنها ليست نعمة، وإنما هي نقمة وكذا سيدنا إبراهيم قال لمعتقد أن الكوكب رب هذا ربي ثم كر عليه بالحجة في قوله لا أحب الآفلين، وهو قياس هذا آفل وكل آفل ليس برب فهذا ليس برب، ثم يقال هذا ليس برب ومن ليس برب لا يحب فهذا لا يحب، ولذا قال عند القمر لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فيتنبه الخصم أن اعتقاده ضلال.

  قوله: (مع علمه) أي: علم المتكلم المنصف. قوله: (أنه) أي: الخصم مبطل أي ما قاله باطل. قوله: (فيحكي) أي المصنف قوله: (كلامه) أي: كلام الخصم وثم يكر عليه أي: يرجع عليه. قوله: (أنذرتهم) أي: بهمزة واحدة والأصل ءأنذرتهم فحذف همزة التسوية وهي هنا همزة الاستفهام ففيه نوع استئناس للمقام وهو حذف همزة الاستفهام ولذا