حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الباب الأول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها

صفحة 42 - الجزء 1

  أوَّلُهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الأصلي، وأنَّ العطف على جملة مُقَدَّرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التَّقدير في {أَفَلَمْ يَسِيرُوا}⁣[يوسف: ١٠٩ وغيرها]، {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}⁣[الزخرف: ٥] {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ}⁣[آل عمران: ١٤٤] {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨}⁣[الصافات: ٥٨]: أَمَكثُوا فلم يسيروا في الأرض، أنهملُكم فنَضْرِب عنكم الذكر صفحاً، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مُخَلَّدُون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطّرد في جميع المواضع. أما الأول فلدَعْوَى حَذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه؛ لأن المُتَجَوِّزَ فيه على قولهم


  والأفصح فيه المطابقة فقولك الجذوع انكسرن أفصح من انكسرت. قوله: (هذا) أي: ما ذكر من أن الهمزة قدمت عن محلها لفظاً، وإن محلها بعد العاطف وقدمت لأجل التنبيه على أصالتها في التقديم مذهب الخ. قوله: (أولهم الزمخشري) الأولى أن يقول ومنهم الزمخشري إذ هذا قد نقل عن بعض ممن تقدم على الزمحشري. قوله: (التقدير في أفلم الخ) التقدير هذا مبتدأ خبره قوله أمكثوا وكان الأولى أن يقول والتقدير في كذا وكذا كذا وكذا وإلا ففي كلامه حذف العاطف وهو ليس بمقيس في الاختبار كما هنا، فكان عليه أن يقول ما قلنا أو يقول التقدير في أفلم يسيروا وأفنضرب وأفإن مات الخ، وكذا تقول مثل ذلك في المقدر، واعلم أن هذا الاعتراض لا يرد على المصنف فيما سبق في قوله نحو وكيف تكفرون، فأين تذهبون فلا يقال كان عليه أن يقول فأين تذهبون؛ لأن نحو فيه خبر لمبتدأ محذوف أي، وذلك نحو كيف تكفرون نحو فأين تذهبون الخ فهو من باب تعدد الخبر، غايته أنه حذف فيه مضاف وهو نحو ذلك جائزون ومن المعلوم أن الأخبار إذا تعددت يجوز فيها ترك العاطف، وقد أجاب بعضهم عن الأول بأنه إنما حذف العاطف لقصد سرد الأعداد فكأنه يسردها لشخص يخاطبه ليعدها ويقول له كذا كذا كما تقول لمخاطبك مثلاً مصحف كتاب الخ، إذا أردت تعدد أشياء.

  تنبيه: اعلم أن العطف في هذه أعني الأولى والثانية والرابعة تفسيري إلا في الثالث فإنه جاء على الأصل وهو أن الأول سبب الثاني، وأخذ قوله هنا أن المحذوف قبل العاطف تقدره إما من معنى ما بعد العاطف وتجعله سبباً وما بعد العاطف مسبب. قوله: (فلدعوى حذف الجملة) أي: والأصل عدم الحذف فدعوى الحذف تكلف غير محتاج إليه، وفيه نظر؛ لأن هذه الجملة معطوف عليها وحذف المعطوف عليه بقرينة جائز جملة كان أو لا ولا تكلف فيه، وقد يجاب بأن التكلف إنما جاء من قبل خصوصه أي خصوص تقدير المعطوف عليه بين الهمزة والفاء مثلاً من قبل حذف المعطوف عليه، وذلك؛ لأن مثل هذا التركيب واقع في القرآن وغيره كثيراً، ولم يصرح بشيء من صوره بهذا المحذوف فادعاء حذفه والحالة هذه تكلف. قوله: (فإن قوبل) أي عورض بأن قيل كما أن فيه حذفاً