حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الفاء المفردة

صفحة 440 - الجزء 1

  عطف مُفَصَّل على مُجْمَل، نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}⁣[البقرة: ٣٦]، ونحو: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}⁣[النساء: ١٥٣] ونحو: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}⁣[هود: ٤٥] الآية، ونحو: «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ».

  وقال الفراء: إنها لا تفيد الترتيب مُطلقاً، وهذا - مع قوله إن الواو تفيد الترتيب - غريب، واحتج بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ٤}⁣[الأعراف: ٤]. وأجيب بأن المعنى أرَدْنَا إِهلاكها أو بأنها للترتيب الذكري. وقال الجرمي: لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الأمطار، بدليل قوله [من الطويل]:


  قوله: (وهو عطف مفصل على مجمل) إنما كان هذا من الترتيب الذكرى؛ لأن الشأن أن المفصل إنما يذكر بعد المجمل. قوله: (عطف على مجمل) التحقيق أن ذلك كثير فيها لا دائماً إذ قد يكون في غيره كما في قوله تعالى {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ٧٤}⁣[الزمر: ٧٤] فإنها هنا للترتيب الذكرى وليست لعطف مفصل على مجمل إذ قد ذكر أولاً الجنة ثم مدحها وذكر ذم الشيء أو مدحه يحسن بعد جري ذكره؛ لأنه صادف مرتبته وكذا يقال في: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ٢٩}⁣[النحل: ٢٩]. قوله: (فاخرجهما مما كانا فيه) أي: فقد فصل أزلهما بقوله أخرجهما واعترض هذا بأن ضمير عنها للجنة، أي: اذهبهما الشيطان عنها، وهذا معنى الإخراج فلا إجمال ولا تفصيل قوله: (الآية) أي: وهي: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ٤٥}⁣[هود: ٤٥] فكل هذا بيان لمناداته. قوله: (ونحو توضأ) أي: بأربع في بعض الأحاديث. قوله: (ورجليه) هذا بالنصب عطف على وجهه، أي: غسل رجليه ويحتمل عطفه على رأسه، أي: ومسح رجليه ويحتمل المسح على الغسل الخفيف أو على الخف فلا شك أن قوله فغسل وجهه إلى آخر المعاطيف تفصيل لحقيقة الوضوء المجملة.

  قوله: (انها لا تفيد الترتيب مطلقاً) أي: حتى الذكرى إذ لا يقول به أصلاً ونحن إنما نثبت الذكري عند عدم الترتيب الحقيقي فيضطر له لأجل أن تخرج الفاء عن موضوعها. قوله: (مطلقاً) أي: سواء كان معنوياً أو ذكريا لا في الأمكنة والأمطار ولا في غيرهما. قوله: (وهذا) أي: قول الفراء قوله: (غريب) أي: لأنه بعكس قول القوم في كل واحدة منهما فهذا غريب منه قوله: (فجاءها بأسنا) أي: الأمور المهلكة أي: أسباب الهلاك كالصواعق ومن المعلوم ان أسباب الهلاك مقدمة عليه لا متأخرة قوله: (فأردنا إهلاكها) أي: فهو من إطلاق المسبب على السبب. قوله (فأراد هلاكها) أي: ولا شك أن إرادة الإهلاك قبل مجيء البأس. قوله: (للترتيب الذكري) أي: فحينئذ فقوله فجاءها بأسنا بيان لقوله أهلكناها إذ هو مجمل إذ لم يعلم منه كون البأس أتى ليلاً أو نهاراً. قوله: (في البقاع) أي: التي لم ينزل فيها أمطار. قوله: (ولا في الأمطار) أي: في مكان الإمطار أي: