حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الفاء المفردة

صفحة 442 - الجزء 1

  فبَغْدَادَ» إذا لم تُقِمْ في البصرة ولا بين البلدين، وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}⁣[الحج: ٦٣]، وقيل: الفاء في هذه الآية للسببية، وفاء السببية من المُهْلة. وقيل: تقع الفاء تارةً بمعنى «ثُمَّ»، ومنه الآية، وقوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}⁣[المؤمنون: ١٤]، فالفاءات في «فخلقنا العلقة مضغة»، وفي «فخلقنا المضغة»، وفي «فكسونا» بمعنى «ثم»، لتراخي معطوفاتها؛ وتارة بمعنى الواو، كقوله [من الطويل]:

  [قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللَّوَى] بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ


  تراخ وإن كانت مدة السير طويلة في نفسها. قوله: (إذا لم تقم في البصرة ولا بين البلدين) أي: بل اتصل السير لم يقع اشتغال بما يعد في العرف أجنبياً. من السفر من هذه إلى تلك. قوله: (فتصبح الأرض مخضرة) أي: ومعلوم أن اخضرار الأرض لا يعقب نزول المطر بل يقع بعد مدة وتراخ إلا أن العرف يعد هذا تعقيباً.

  قوله: (وقيل الفاء الخ) جواب ثان عن الآية غير الأول، وحاصله أن الإشكال إنما جاء من جعلها للعطف ونحن لا نجعلها هنا كذلك بل لمجرد السببية أي: السببية المجردة عن العطف وهي لا تفيد تعقيباً فلا اعتراض قوله: (للسببية) أي: لمجرد السببية لا للعطف لا ترد بالآية إلا لو كانت عاطفة؛ لأن من لوازم العاطفة التعقيب. قوله: (وفاء السببية الخ) قال الدماميني الحق عندي أنها تقتضي التعقيب إذا كان السبب تاماً؛ لأنه يلزم من وجود السبب وجود المسبب الإسلام ليس سبباً تاماً لدخول الجنة، بل السبب التام هو الإسلام ورحمة الله والاستمرار على الإسلام فعدم التعقيب في المثال لعدم تمام السبب، وقال الشمني: إن كلام النحاة في السبب مطلقاً من غير تفصيل بين سبب تام أم لا. قوله: (لا تستلزم التعقيب) وذلك لأن مدخولها لما قبله مدخل فيه في المثال في الجملة وهذا مراد النحاة بالسبب لا السبب التام الذي يلزم من وجوده وجود المسبب حتى يلزم ما أطال به الدماميني. قوله: (وقيل: تقع الفاء الخ) جواب ثالث عن الإيراد في الآية. قوله: (بمعنى ثم) أي: مجازاً. قوله: (وقوله تعالى) أي: ومنه قوله تعالى: قوله: (خلقنا النطفة علقة) أي: قطعة دم أي: ثم خلقنا النطفة البيضاء علقة حمراء. قوله: (فخلقنا العقلة مضغة) أي: لحماً قدر ما يمضغ.

  قوله: (فخلقنا المضغة) أي: صيرنا المضغة قوله: (فكسونا العظام) أي: ألبسنا عليه اللحم فصار كاللباس له قوله: (لتراخي معطوفاتها) أي: عن المعطوف عليه؛ لأن بين كل طور أربعين يوماً. قوله: (فحومل) أي: فهي هنا بمعنى الواو ولو كانت الفاء على حقيقتها لكان المعنى قفا نبك بين الدخول وبين حومل فيكون أضاف بين المفرد وهو لا يصح فلابد من جعلها بمعنى الواو أي نبك بين هذين الموضعين اهـ تقرير دردير.