حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الفاء المفردة

صفحة 447 - الجزء 1

  فآب سليمان أن لا أكون لقيتُه فقتلته، وذلك لأنه يريد: يا لهف نفسي.

  والثاني من أوجه الفاء: أن تكون رابطة للجواب، وذلك حيث لا يصلح لأن يكون شرطاً، وهو منحصر في ست مسائل:

  إحداها: أن يكون الجواب جملة اسمية نحو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٧}⁣[الأنعام: ١٧]، ونحو: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١١٨}⁣[المائدة: ١١٨].


  وقوله: قومي مفعوله أي: إذا غار على قومي بالصباح قوله: (أن لا أكون) بدل اشتمال من الحرث أي: يا لهف أبي عليّ أن لا أكون لقيت الحرث فقتلته؛ لأنه أغار على قومي في الصباح فنهبهم ورجع سليماً. قوله: (وذلك) أي بيان صحة التقدير المشار له بقوله أن لا أكون لقيته؛ لأنه يريد بقوله زيابة نفسه هو فأطلق اسم أبيه عليه. قوله: (وذلك) أي: ووجهه ذلك أي: تقديرنا أن لا أكون فقتلته مع أن الظاهر أن يقدر أن لا يكون لقيه فقتله أنه يريد بقوله يا لهف أبي يا لهف نفسي، فأقام أباه مقام نفسه كناية ونوقش بأن هذا المعنى صحيح مع تعلق اللهف بالأب حقيقة، أي: يا حسرة، أبي علي أن لا أكون أنا لقيت الحرث فقتلته.

  قوله: (أن تكون رابطة الخ) هذه ظاهر أو صريح في أن الفاء الرابطة في الجواب ليست عاطفة ونقل المرادي في «شرح الألفية» أنها عاطفة جملة على جملة فلم تخرج عن العطف قال وهو بعد اهـ دماميني. قوله: (وذلك حيث لا يصلح الخ) أما إذا صلح اكتفى بالتوافق الحاصل بصحة حلول أحدهما محل الآخر عن فاء الربط. قوله: (وذلك حيث لا يصلح لأن يكون شرطاً) قال الدماميني: يمكن نقض هذا الضابط بالمضارع المقرون بلا فقد جعلوه مما يجوز فيه الربط بالفاء وتركه كقوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ}⁣[فاطر: ١٤] وقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ١٣}⁣[الجن: ١٣] ولا خفاء إن مثل لا بفعل يصلح؛ لأن يجعل شرطاً فكيف يقترن بالفاء على أحد الوجهين الجائزين وجوابه أن لا تارة تستعمل لنفي المستقبل وتارة لمجرد النفي فعلى الأول لا يصح مجامعتها لحرف الشرط كان فيجيء الربط بالفاء وعلى الثاني يصح مجامعتها له فتمتنع الفاء على أن صاحب «الكشاف» لم يجعل الجواب في قوله تعالى: {فَلَا يَخَافُ} الفعلية وإنما جعلها خبر مبتدأ محذوف والإسمية الجواب.

  قوله: (أن يكون الجواب جملة اسمية) لا ينتقض هذا بقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ١٢١}⁣[الأنعام: ١٢١] لأن الجملة جواب قسم مقدر قبل الشرط وجواب الشرط محذوف. قوله: (فإنهم عبادك) أي: فهي جملة اسمية مؤكدة بأن قوله: (فإنك أنت العزيز الحكيم) فيه مقتضى الظاهر وأن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، قلت: عدل عنه عيسى؛ لأن فيه رائحة شفاعة لمن عبده وأمه دون الله إن قلت: إن الشرك