حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (كلا) مركبة عند ثعلب من كاف التشبيه ولا النافية

صفحة 512 - الجزء 1

  وحتى قال جماعة منهم: مَتَى سمعت «كلا» في سورة فاحكم بأنها مكية، لأن فيها معنى وحتى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتُو كان بها، وفيه نظر؛ لأن لزوم المكيَّة إنما يكون عن اختصاص العتو بها، لا عن غَلَبته، ثم لا تمتنع الإشارة إلى عتو سابق، ثم لا يظهر معنى الزَّجر في «كلا» المسبوقة بنحو: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ٨}⁣[الانفطار: ٨]، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٦}⁣[المطففون: ٦]، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ١٩}⁣[القيامة: ١٩]، وقولُهم: المعنى: انْتَه عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة ما شاء الله، وبالبعث وعن العَجَلة بالقرآن تعسُّفّ، إذ لم يتقدم في الأولين


  (وحتى قال جماعة الخ) حاصل الدعوة أن كل سورة فيها كلا فهي مكية ودليلها أنها تدل على الوعيد وأكثر ما نزل ذلك بمكة لأن أكثر العتو بها فقال له المصنف ان الدليل لا ينتج الدعوة، ولا ينتجها إلا لو كان كل عتو صادر من الكفار كان بمكة لاحتمال أن السورة مدنية كلا زجر ووعيد للعتو الواقع بالمدينة بقلة على أننا لو سلمنا أن جميع العتو كان بمكة فلا نسلم أن كل سورة فيها كلا مكية لاحتمال أنها مدنية والإشارة بكلام إلى عتو سابق في مكة قوله: (لأن فيها) أي: لأنها دالة على معنى التهديد، أي: معنى هو التهديد ومحل التعليل قوله: وأكثر ما نزل وقوله: لأن أكثر العتو علة لقوله: أكثر ما نزل الخ. قوله: (وفيه) أي: في قول هؤلاء الجماعة متى سمعت الخ ومصب النظر على قوله؛ لأن أكثر العتو وحاصله أن أكثرية العتو لا تنتج أن كل سورة فيها كلامكية لاحتمال أنها مدنية وكلا للعتو القليل الواقع في المدينة: قوله (لأن لزوم المكية) أي: لكل سورة فيها كلا إنما يكون ناشئاً عن اختصاص العتو الخ. قوله: (ثم لا تمتنع الخ) حاصله أننا لو سلمنا أن كل عتو بمكة لا نسلم أن كل سورة فيها كلا مكية لاحتمال أن تكون مدنية وكلا للزجر عن العتو السابق في مكة قال الشمني، وأقول وأيضاً إنما يلزم أن تكون الآية التي فيها كلا مكية لا السورة بتمامها التي هي فيها كما هو المدعي؛ لأن من السور ما نزل آيات منها بمكة وآيات بالمدينة ولك أن تقول هذا الاعتراض لا يرد؛ لأن قصد هؤلاء الجماعة بقولهم فاحكم بأنها مكية أي: فاحكم بأنها نزلت بمكة قبل الهجرة للمدينة؛ لأن ذلك زمن العتو ومعنى نزلت افتتح نزولها لأن ذلك كافٍ في كونها مكية إذ لا شك أن كون آية من السورة نزلت بمكة يلزمه افتتاح تلك السورة بمكة قطعاً.

  قوله: (ثم لا يظهر الخ) رد لقوله لا معنى لها عندهم لا ذلك وهذا على التزام أنها للزجر عما قبلها ولا مانع من توسيع الدائرة وأنها للزجر عما قبلها، أو ما بعدها أو ما عهد من المخاطب، وإن لم يفده الكلام وإن كان خلاف ما سبق من إجازة الوقف عليها دائماً والابتداء بما بعدها قوله (وقولهم المعنى انته عن ترك الإيمان بالتصور) باء بالتصور متعلقة بالإيمان وكذا الباء في قوله بالبعث؛ لأنه عطف على قوله بالتصور وفي بالقرآن متعلق بالعجلة ولا يخفى ما في كلامه من اللف والنشر المرتب. قوله: (وبالبعث) أي: يوم يقوم الناس. قوله: (وعن العجلة بالقرآن) أي: إن علينا بيانه.