حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (كل): اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر،

صفحة 529 - الجزء 1

  كالتي قبلها، ووجهه أنهما سِيَّان في امتناع التأكيد بهما. وفي تذكرة أبي الفتح أن تقديم «كل» في قوله تعالى: {كُلًّا هَدَيْنَا}⁣[الأنعام: ٨٤] أحسن من تأخيرها، لأن التقدير كلهم، فلو أخرت لباشرت العامل مع أنها في المعنى مُنزَّلة منزلَةَ ما لا يباشره، فلما قدمت أشبهت الْمُرْتَفِعة بالابتداء في أن كلا منهما لم يسبقها عامل في اللفظ.

  الثالث: أن تُضاف إلى ضمير ملفوظ به، وحكمها أن لا يعمل فيها غالباً إلا الابتداء، نحو: {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}⁣[آل عمران: ١٥٤] فيمن رفع «كلا»، ونحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ}⁣[مريم: ٩٥] لأن الابتداء عامل معنوي، ومن القليل قوله [من الطويل]:

  ٣١٨ - يَمِيدُ إِذَا مَادَتْ عَلَيْهِ دِلاَؤْهُمْ ... فَيَصْدُرُ عَنْهُ كَلْهَا وَهُوَ نَاهِلُ


  (ووجهه) أي: وجه كون حكمها كالتي قبلها في عمل العوامل فيها. قوله: (في امتناع التأكيد) لأنه لا يؤكد إلا بالمضافة في اللفظ إلى ضمير، وحينئذ فالمضافة للظاهر والمقطوعة عن الإضافة لا يؤكد بهما وأما:

  يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

  فهو ضرورة وإنا كلاً فيها فقد تقدم أن الحق إنه بدل لا توكيد. قوله: (وفي تذكرة أبي الفتح الخ) قصده بذلك أن يفيد أن كلا المقطوعة عن الإضافة حقها أن تتقدم فبعد أن ذكر أن المقطوعة تلي العوامل أفادك بكلام التذكرة أن الأولى تقديمها على العامل، وأفاد أن العوامل عملت فيها أيضاً فهو تأكيد لما قبله مع زيادة فائدة. قوله: (فلو أخرت) أي: كل المضافة تقديراً لباشرت العامل أي من أن كلا المضافة تقديراً بمنزلة المضافة لفظاً فلا تباشر العامل قوله: (منزلة ما لا يباشره) أي: إن كلاً المضافة معنى بمنزلة كل التي هي تأكيد المضافة للضمير لفظاً وكل التي يؤكد بها لا تباشر العامل، فكذا كل التي بمعناها. قوله: (وحكمها أن لا يعمل فيها غالباً إلا الابتداء) فيه أن الغالب عليها حينئذ أن تكون مؤكدة نحو فسجد الملائكة كلهم ورأيت القول كلهم، فإن خرجت عن التوكيد فالغالب أن لا يعمل فيها إلا الابتداء ومن غير الغالب أن يعمل فيها ظاهر فحق العبارة وحكمها أن لا تلي عاملاً ظاهراً في الغالب وهذا صادق بأن تكون توكيداً أو علا فيها الابتداء، ومن غير الغالب ورود عمل الظاهر فيها لقوله الخ. قوله: (إن الأمر كله الله) فكل مبتدأ ولله خبر والجملة خبر إن. قوله (لأن الابتداء عامل معنوي) فهو بمنزلة العدم فكأنها لم تباشر عاملاً كالمؤكدة قوله: (عامل معنوي) أي: فلم تتأثر بمباشرة العوامل لفظاً فشابهت المؤكدة الأصل الأصيل. قوله: (ومن القليل قوله فيصدر الخ) صدره:


٣١٨ - التخريج: البيت لكثير عزة في (ديوانه ص ٥٠٦، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٧٥، وبلا نسبة في الدرر ٥/ ١٣٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥١٢؛ وهمع الهوامع ٢/ ٧٣).

اللغة: يميد: يضطرب ويتحرّك. الدلاء: جمع دلو وهو الوعاء الذي كانوا يستخرجون به الماء من الآبار. يصدر: يبتعد عن الماء. ناهل: عطشان وريان (من الأضداد).