وللام الجارة اثنان وعشرون معنى
  أي: فيمد ونحمل، أو التهديد، نحو: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]، وهذا هو معنى الأمر في {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت: ٤٠]، وأما {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا}[العنكبوت: ٦٦] فيحتمل اللامان منه التعليل، فيكون ما بعدهما منصوباً، والتهديد فيكون مجزوماً، ويتعين الثاني في اللام الثانية في قراءة مَنْ سكَّنها، فيترجح بذلك أن تكون اللام الأولى كذلك، ويؤيده أن بعدهما {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ٦٦}[العنكبوت: ٦٦]؛ وأما {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ}[المائدة: ٤٧] فيمن قرأ بسكون اللام فهي لام الطلب، لأنه يقرأ بسكون الميم ومن كسر اللام - وهو حمزة - فهي لام التعليل، لأنه يفتح الميم.
  وهذا التعليل إما معطوف على تعليل آخر مُتَصَيَّد من المعنى لأن قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ}[المائدة: ٤٦] معناه وآتيناه الإنجيل للهدى والنور؛ ومثله {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ٦ وَحِفْظًا}[الصافات: ٦ - ٧]، لأن المعنى إنا
  قوله: (ومن شاء فليكفر) أي: فصيغة الأمر هنا مستعملة في التهديد مجازاً لا في حقيقتها وهو الأمر لأن الكفر فاحشة والله لا يأمرنا بالفحشاء، وأما قوله فمن شاء فليؤمن فاللام للطلب قطعاً قوله: (وهذا) أي: التهديد معنى الأمر أي معنى الصيغة الموضوعة للأمر. قوله: (منه) أي: من التركيب المذكور ولو حذفه ما ضر.
  قوله: (التعليل) أي: فهي لام كي والفعل ينصب بعدها بأن مضمرة جوازاً. قوله: (التعليل) أي: المجازي لأن كفران النعم ليس باعثاً لهم على الشرك وهو الصيرورة، وعلى جعلهما للتعليل فهما متعلقان بيشركون من قوله قبل فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون والمعنى يشركون ليقابلوا نعمتنا بالكفران والتمتع والتلذذ بها لا غير على خلاف ما عادة هو المؤمنين المخلصين على الحقيقة إذا أنجاهم الله تعالى فإنهم يشركون نعمة الله في إنجائهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التمتع والتلذذ. قوله: (من سكنها) أي: لأن اللام لا تسكن بعد الواو. قوله: (فيترجح بذلك) أي: يكون الأولى للطلب ووجه الترجح أن الأصل التناسب بين المتعاطفين. قوله: (ويؤيده) أي: يؤيد أن المراد من اللامين التهديد. قوله: (فسوف يعلمون) وجه التأييد أن سوف يعلمون من مسافات التخويف عرفاً فتدل على أن اللام له. قوله: (بسكون الميم) أي: فسكون الميم دليل على أن اللام لام الأمر. قوله: (لأنه يفتح الميم) أي: فالنصب للفعل بعدها دليل على أن اللام لام كي نصب الفعل بعدها بأن مضمرة بعدها جواز. قوله: (متصيد من المعنى) أي: ولا يصح عطفه على مصدقاً لأنه حال والمعطوف على الحال حال وهذا لا يصح أن يكون حالاً. قوله: (ومثله) أي: في كونه عطفاً على تعليل متصيد من المعنى وقال بعضهم إن حفظاً معمول المحذوف أي وحفظناها حفظاً والجملة عطف على جملة زينا.