القسم الثاني: اللام الزائدة
  «يدعو» في قوله: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ}[الحج: ١٢]، وفي هذا القول دعوى خلاف الأصل مرَّتين؛ إذ الأصل عدم التوكيد، والأصل أن لا يُفْصَلَ المؤكد من توكيده ولا سيما في التوكيد اللفظي.
  والثاني: أنَّ مطلوبه مُقَدَّم عليه، وهو {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ}[الحج: ١٢] على أن ذلك موصول وما بعده صلةٌ، وعائد والتقدير: يدعو الذي هو الضلال البعيد؛ وهذا الإعراب لا يستقيم عند البصريين، لأنّ «ذا» لا تكونُ عندَهُمْ موصولة إلا إذا وقعت بعد «ما» أو «من» الاستفهاميتَيْنِ.
  والثالث: أنَّ مطلوبه محذوفٌ، والأصل يعدوه، والجملة حال، والمعنى: ذلك هو الضَّلال البعيد مَدْعُواً.
  والرابع: أن مطلوبه الجملة بعده، ثم اختلف هؤلاء على قَوْلَين: أحدهما: أن «يدعو» بمعنى «يقول»، والقول يقع على الجمل. والثاني: أن «يدعو» ملموح فيه معنى
  الصحيح، ثم اختلف أصحاب هذا القول على أربعة أقوال في مطلوب يدعو أي في مفعوله. قوله: (ما لا يضره) أي: صنماً لا يضره إذا ترك عبادته ولا ينفعه إذا عبده، وقوله ذلك أي الدعاء المفهوم من يدعو الضلال البعيد عن الحق. قوله: (إذ الأصل عدم التوكيد) هذا مرة وقوله والأصل الخ هذا مرة ثانية قوله: (والتقدير يدعو الذي هو الضلال) أي: يدعو الصنم الذي دعاؤه هو الضلال البعيد عن الحق. قوله: (وهذا الإعراب الخ) أي: مع أن قائله بصري وهو الزجاج فهو اعتراض على ذلك القول. قوله: (بعد ما أو من الاستفهاميتين) أي: وهنا لم تقع كذلك قوله: (إن مطلوبه) أي: مفعول يدعو محذوف. قوله: (والأصل يدعوه) أي: الصنم والجملة أي جملة يدعوه حال. قوله: (والمعنى ذلك هو الضلال البعيد مدعواً) من المعلوم أن ذلك إشارة إلى الدعاء وحينئذ فالمعنى ذلك الدعاء هو الضلال البعيد حال كون الدعاء مدعواً هكذا ظاهره واعترض بأن المدعو هو الصنم لا الدعاء فهذا الوجه لا يستقيم اللهم إلا أن يجعل ذلك عائدة على الصنم، وقوله: هو الضلال أي دعاؤه هو الضلال وقوله: مدعواً أي حالة كون ذلك الصنم مدعواً فهو حال مؤكدة.
  قوله: (ثم اختلف هؤلاء الخ) أي: ثم لما كانت لام الابتداء مانعة من عمل ما قبلها فيما بعدها فاختلف هؤلاء فبعضهم يقول أن يدعو بمعنى يقول والمعنى يقول عابد الصنم شأن الصنم الصنم الذي ضره أقرب من نفعه لبئس المولى، واعترض بأن عابد الصنم لا يقول ذلك بل يقول نعم المولى، والجواب أنه يقول ذلك في الآخرة عند تبين الحال له وعلى هذا القول فاللام لا تمنع من عمل القول فيما بعدها لأنها إذا تمنع العامل الذي يعمل في المفردات لا في الجمل اهـ تقرير شيخنا دردير قوله: (ملموح) أي: ملحوظ.