حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

القسم الثاني: اللام الزائدة

صفحة 97 - الجزء 2

  فإنكم إن تتَّقوها لا تُصيب الذين ظلموا منكم خاصة؛ وقوله: إن التقدير: إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة مردود، لأنَّ الشرط إنما يقدر من جنس الأمر، لا من جنس الجواب. ألا ترى أنك تقدر في «ائتني أكْرِمْكَ»: إن تأتني أُكْرِمْك. نعم، يصح الجواب في قوله: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}⁣[البقرة: ٢٣٧] الآية، إذ يصح: إن تدخلوا لا يحطمنكم، ويصح أيضاً النهي على حد «لا أَرَيَنَّكَ ههنا»، وأما الوصف فيأتي مكانه هنا أن تكون الجمة حالاً، أي: ادخلوها غير مخطُومين، والتوكيد بالنون على هذا الوجه وعلى الوجه الأول سماعي، وعلى النهي قياسي.

  ولا فرق في اقتضاء «لا» الطلبية للجزم بين كونها مفيدة للنهي سواء كان للتحريم كما تقدم، أو للتنزيه، نحو: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}⁣[البقرة: ٢٣٧]، وكونها للدعاء، كقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، وقول الشاعر [من الطويل]:

  ٤٠٧ - يَقُولُونَ لا تَبْعَدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَنِي، ... وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلَّا مَكَانِيَا؟


  أصابتكم وإن أصابتكم لا تصيبن الخ، إلا أن هذا بعيد من تقدير الزمخشري تأمل اهـ تقرير دردير.

  قوله: (نعم) استدراك على قوله وهو فاسد قوله: (إذ يصح الخ) أي: لأنه يصح أن يقدر الشرط من جنس الأمر فوعلة لقوله يصح الجواب. قوله: (ويصح أيضاً النهي) أي: بعد أمر فيكون النهي منقطعاً عما قبله ويكون من باب إقامة المسبب مقام السبب والمعنى لا تخرجوا عن مساكنكم فيحطمنكم فعدل عن النهي عن السبب إلى المسبب وهذا القول قد تركه المصنف في الآية السابقة، وقد ذكره الزمخشري كما علمت. قوله: (على حد لا أرينك ههنا) أي؛ فإن الأصل لا تكن ههنا فأراك فعدل عن النهي عن السبب إلى النهي عن المسبب. قوله: (وأما الوصف) أي: القول الأول من قولي النفي السابقين في قوله: لا تصيبن وقد ذكر المصنف في هذه الآية ثلاثة أقوال وترك قولاً رابعاً وهو أنها ناهية بتقدير القول، أي: مقولاً فيكم لا يحطمنكم الخ. قوله: (على هذا الوجه) أي: الحالية. قوله: (وعلى الوجه الأول) أي: وهو كون لا يحطمنكم جواب الأمر طيب. قوله: (سواءاً كان) أي: النهي بمعنى طاب الترك.

  قوله: (للتحريم أم للتنزيه) أي: بأن كان طلب الترك من الأعلى للأدنى جازماً أو كان غير جازم. قوله: (للدعاء) أي؛ الطلب من الأدنى للأعلى. قوله: (يقولون) أي:


٤٠٧ - التخريج: البيت لمالك بن الريب في (ديوانه ص ٤٦؛ وخزانة الأدب ٢/ ٣٣٨، ٥/ ٤٦؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٣٠؛ ولسان العرب ٣/ ٩١ (بعد)).

المعنى: هل هناك أبعد مكاناً من قبر الميت؟! لقد دفنوني وهم يطلبون مني عدم الابتعاد، فعجباً منهم.