حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (لو) على خسمة أوجه:

صفحة 119 - الجزء 2

  رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}⁣[الأنفال: ١٧].

  والثاني: أنها تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعاً، وهذا هو القولُ الجاري على ألسنة المعربين، ونص عليه جماعة من النحويين، وهو باطل بمواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}⁣[الأنعام: ١١١]، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}⁣[لقمان: ٢٧]، وقول عمر ¥: «نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٌ، لو لَمْ يَخَفِ الله لم يَعْصِهِ».

  وَبَيَانُه أن كل شيء امتنع ثبت نقيضه، فإذا امتنع ما قام ثبت قام، وبالعكس، وعلى هذا فيلزم على هذا القول في الآية الأولى ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة


  (واتبعوا ما تتلوا الشياطين) أي: اتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها على ملك سليمان، أي: على عهد ملكه في زمانه وذلك؛ لأن الشياطين كانوا يسترقون السمع، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان # حتى قالوا: إن الجن تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه تسخر الجن والإنس والريح التي تجري بأمره، ووجه الاستدراك في الآية ظاهر بهذا المعنى. قوله: (رما رميت) أي: حقيقة إذ رميت صورة أو ما اكتسبت ما ينشأ عن الرمي من الخارق إذ رميت فلا تناقض. قوله: (والثاني) أي: من الأقوال قوله: (الجاري على ألسنة المعربين) أي: حيث قالوا إن لو حرف امتناع لامتناع قوله: (وهو) أي: إفادتها الامتناع في الشرط والجواب باطل وهذا الرد من طرف أصحاب القول القائلين أنها لا تفيد الامتناع وأجاب بعضهم بأن لها استعمالان الغالب منهما إفادتها نفي الشرط والجواب معاً، والثاني تقرير الجواب سواء كان الشرط ثابتاً أو منفياً وما اعترض به من المواضع من الاستعمال الثاني، وفيه أن هذا الجواب لا يدفع؛ لأنهم أطلقوا في العبارة، وهي إفادتها امتناع الشرط والجواب معاً فظاهره ره دائماً وهذه كلية يناقضها سالبة جزئية وهي بعض المواضع ليس فيها نفي الجواب والشرط معاً. قوله: (وكلمهم الموتى) أي: كما طلبوا. قوله: (وحشرنا) أي: جمعنا وقبلا بضمتين أي: فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح الباء أي: معاينة. قوله: (عمر الخ) قال السبكي وقد نسبه الخطيب إلى النبي ولم أر هذا الكلام في شيء من كتب الحديث لا مرفوعاً ولا موقوفاً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن عمر مع شدة الفحص ووقع في عبارة ابن الحاجب في «شرح المفضل» أن ذلك في الحديث فظاهره أنه قاله وقد سألت عن ذلك بعض حفاظ العصر فأخبر بأنه بحث عن ذلك فلم يقف عليه. قوله: (وعلى هذا) أي: ما ذكر من أنه إذا امتنع الشيء ثبت نقيضه. قوله: (في الآية الأولى) أي: لأن معناها على هذا القول انتفى عدم إيمانهم لانتفاء نزول الملائكة وتكليم