فصل
  فالجمهور على أن «ماذا» كله مفعول «دَعِي»، ثم اختلف فقال السيرافي وابن خروف: «ما» موصول بمعنى «الذي»، وقال الفارسي: نكرة بمعنى «شيء»، قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات.
  وقال ابن عصفور: لا تكون «ماذا» مفعولاً لـ «دعي»؛ لأن الاستفهام له الصدر؛ ولا لـ «علمتِ»، لأنه لم يُرِدْ أن يستفهم عن معلومها ما هو، ولا لمحذوف يفسره سأتقيه؛ لأن «علمتِ» حينئذ لا محلّ لها، بل «ما» اسم استفهام مبتدأ، و «ذا» موصول خبر، و «عَلِمْتِ» صلة، وعُلق «دعي» عن العمل بالاستفهام، انتهى.
  ونقول: إذا قُدرت «ماذا» بمعنى «الذي» أو بمعنى «شيء» لم يمتنع كونها مفعول «دعي»، وقوله: «لم يُرِدْ أن يستفهم عن معلومها» لازم له إذا جعل «ماذا» مبتدأ وخبراً؛ ودعواه تعليق «دعي» مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب؛ فإن قال: إنما أردت أنه قدر الوقف على «دعي» فاستأنف ما بعده رَدَّه قول الشاعر: «ولكن» فإنها لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها والمخالف هنا «دعي»، فالمعنى: دعي كذا، ولكن أفعلي كذا، وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعد «دعي»، لأنه لا يقال: مَنْ في الدار
  أي: اسمياً. قوله: (مفعول دعى) أي: فهو في محل نصب. قوله: (نكرة بمعنى شيء) أي فهو نكرة موصوفة ولا تامة لأنها لا تقع إلا في الأبواب الثلاثة السابقة. قوله: (ثبت في الأجناس) أي: كابن عرس. قوله: (أن يستفهم عن معلومها) هذا الكلام بناء على إن التاء في البيت كسور وقد علمت أنه يخالف آخره ولكن المخالفة إنما تتأتى على إعراب الجمهور، وأما على كلام ابن عصفور من أنها للاستفهام فالقراءة بالكسر ظاهرة ولا غبار عليه خلافاً للشمني. قوله: (ولا لمحذوف) من كلام ابن عصفور. قوله: (لا محل لها) أي: لا وجه لها إذ المعنى حينئذ سأتقي أي شيء سأتقيه فعلمت حينئذ ضائع. قوله: (اسم استفهام مبتدأ) أي: وحينئذ لم يخرج الاستفهام عن الصدارة لأن المبتدأ ليس ما قبله عاملاً فيه بخلاف المفعول قوله: (لم يمتنع) أي: لأنها ليست اسم استفهام خلافاً لما فهمه. قوله: (لم يمتنع) أي: فبطل قوله لا يكون لماذا مفعولاً لدعى. قوله: (إذا جعل ماذا مبتدأ أو خبراً) أي: أن المعنى دعى أ أي شيء الذي علمت أي شيء معلوم لك.
  قوله: (بأنها ليت من أفعال القلوب) أي: والذي يعلق إنما هو أفعال القلوب. قوله: (إنما أردت) أي: بالتعليق أي فمراده بالتعليق تعليق غير المشهور قوله: (لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها) على أن قوله سأتقيه لا معنى له قوله: (والمخالف هنا) أي: لما بعدها. قوله: (وعلى هذا) أي على هذا الذي قلنا من كون لكن لا بد إن يخالف ما بعدها ما قبلها، ومخالفة ما بعدها هنا حاصلة بقوله دعى. قوله: (ما بعد دعى) أي: لعدم المخالفة. قوله: (لأنه لا يقال الخ) أي: لعدم مخالفة ما بعد لكن لما قبلها. قوله: (ما