وأما أوجه الحرفية
  مفعول مطلق، ولا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضاً، أي: بما كانوا يُكذبون النبي أو القرآن تكذيباً ونظيره {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ٢٨}[النبأ: ٢٨].
  ولأبي البقاء في هذه الآية أوهام متعدّدة؛ فإنه قال: «ما» مصدرية صلتها «يكذبون»، و «يكذبون» خبر «كان»، ولا عائد على «ما»؛ ولو قيل باسميتها، فتضمنت مقالته الفصل بين «ما» الحرفية وصلتها بـ «كان»، وكون يكذبون في موضع نصب لأنه قدره خبر كان، وكونه لا موضع له لأنه قدره صلة «ما»، واستغناء الموصول الاسمي عن عائد.
  وللزمخشري غلطة عكس هذه الأخيرة، فإنه جَوَّز مصدرية «ما» في {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ}[هود: ١١٦] مع أنه قد عاد عليها الضمير.
  ونَدَر وَصْلُها بالفعل الجامد في قوله [من الطويل]:
  يكذبون وإنما عبر عنه بالماضي نظراً لكون التكذيب وقع منهم فيما مضى، وقوله ليس واقعاً الخ أي بل هو واقع على النبي أو القرآن قوله: (ونظيره) أي: كون كذبوا مؤكد بالتكذيب. قوله: (في هذه الآية) أي: قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ١٠}[البقرة: ١٠]. قوله: (الفصل) أي: بكان وقوله وصلتها أي يكذبون. قوله: (لأنه قدره وصلة ما) سيأتي للمصنف في آخر الكلام على الجمل التي لا محل لها من الإعراب الاعتذار عن أبي البقاء إن قال لعل مراده أن المصدر إنما ينسبك من ما ويكذبون لا منها ومن كان بناء على قولي أبي العباس وأبي علي وأبي الفتح وإن كان الناقصة لا مصدر لها وهذا لا ينافي أن صلتها مجموع الجملة الكبرى أعني كانوا يكذبون. قوله: (واستغناء الموصول الاسمي الخ) أي: لأنه بالغ عليه قوله: (عكس هذه الأخيرة) أي: عكس هذه الغلطة الأخيرة لأنه جعل ما في غير هذه الآية حرفاً مصدرياً مع عود الضمير عليها. قوله: (واتبع الذين ظلموا ما ترفوا فيه) أي: فقال اتبع الذين ظلموا ترافهم أي شهواتهم هذا هو الواقع. من الزمخشري ولم يقل إنها مصدرية ولا إن الضمير عائد عليها ولكن هذا مأخوذ من كلامه لكن يقال للمصنف أنه إذا لم يصرح بأن الضمير راجع لها يمكن أن الزمخشري يقول إن الضمير عائد على الظلم المأخوذ من ظلموا وفي بمعنى مع أي اتبع الذين ظلموا أترافهم مع الظلم. قوله: (واتبع الذين ظلموا) أراد بهم تاركي النهي عن المنكرات أي إنهم لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتبعوا شهواتهم ما فيه الترفة والتنعم من الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا ما وراء ذلك قوله: (مع إنها قد عاد عليها الضمير) أي: والضمير لا يعود على المصدرية. قوله: (وندر وصلها) أي: ما المصدرية وقوله بالفعل أي وحينئذ فتؤول صلتها بالكون كما قالوا في أعجبني إن زيداً قائم أي كونه قائماً.