حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (نعم) بفتح العين،

صفحة 311 - الجزء 2

  والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام؛ إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك: صَدَقْتَ؛ لأنه إنشاء لا خبر.

  واعلم أنه إذا قيل: «قام زيد»، فتصديقه «نَعَمْ»، وتكذيبه «لا»، ويمتنع دخول «بلي» لعدم النفي. وإذا قيل: «ما قام زيد»، فتصديقه «نعم»، وتكذيبه «بلى»، ومنه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي}⁣[التغابن: ٧]، ويمتنع دخول «لا»، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي. وإذا قيل: «أَقامَ زَيْد» فهو مثل: «قام زيد»، أعني أنك تقول إن أثبت القيام: «نعم»، وإن نفيته: «لا»، ويمتنع دخول «بَلَى»؛ وإذا قيل: «ألم يقم زيد» فهو مثل: «لم يقم زيد»، فتقول إذا أثبت القيام: بلى، ويمنع دخول «لا»، وإن نفيته قلت: «نعم»، قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى}⁣[الملك: ٨ - ٩]، {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}⁣[الأعراف: ١٧٢]، {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى}⁣[البقرة: ٢٦٠]، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لو قيل: «نَعَمْ» في جواب {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}، لكان كفراً.

  والحاصل أن «بلى» لا تأتي إلا بعد نفي، وأن «لا» لا تأتي إلا بعد إيجاب، وأن «نعم» تأتي بعدهما، وإنما جاز {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي}⁣[الزمر: ٥٩] مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي}⁣[الزمر: ٥٧] يدلُّ على نفي هدايته، ومعنى الجواب حينئذ:


  قوله: (من أنها للإعلام) أي: لأن المتكلم بها يعلم المخاطب بجواب استفهامه. قوله: (لعدم النفي) أي لأن بلى لا تكون إلا جواباً للنفي، وقوله فتصديقه نعم وتكذيبه بلى علم منه أن نعم يجاب بها من كل الإيجاب والنفي فتقرره، وأما بلى فإنما يجاب بها النفي تكذيباً له فيكون الجواب بها مثبتاً قوله: (ومنه) أي: من تكذيب النفي ببلى زعم الذين كفروا الخ.

  قوله: (زيد) ما تقدم كان الكلام المجاب خبر أي مجرداً عن الاستفهام سواء كان موجباً أو منفياً والكلام الآن فيما إذا كان الكلام المجاب استفهاماً موجباً أو منفياً. قوله: (ويمتنع) أي: لعدم النفي لأنها لا تقال إلا في جوابه. قوله: (وإذ قيل ألم) أي: والحال أن مرادك الاستفهام عن النفي لا تقرير قوله: (ويمتنع دخول لا) أي: لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي. قوله: (قالوا بلى) أي: جاءنا النذير وقوله قالوا بلى أي أنت ربنا، وقوله قال بلى أي آمنت قوله: (لكان كفراً) أي: لأن نعم تقرر ما قبلها سواء كان إيجاباً أو نفياً، فلو قالوا نعم كان المعنى نعم لست ربنا. قوله: (بعد نفي) أي: فتفيد الإيجاب وقوله إلا بعد إيجاب أي وتصيره منفياً، وقوله بعدهما أي فتقررهما. قوله: (يدل الخ) أي: لأن لو للامتناع والامتناع منفي.