(هل): حرف موضوع لطلب التصديق الإيجابي
  فإن قلت: قد مر لك في صدر الكتاب أن الهمزة تأتي لمثل ذلك مثل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}[الإسراء: ٤٠]، ألا ترى أن الواقع أنه سبحانَهُ لم يُضفهم بذلك؟
  قلت: إنما مرَّ أنها للإنكار على مُدَّعِي ذلك، ويلزم من ذلك الانتفاء، لا أنها للنفي ابتداء، ولهذا لا يجوز «أقام إلا زيد» كما يجوز «هل قام إلا زيد» {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ٣٥}[النحل: ٣٥]، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}[الزخرف: ٦٦]. وقد يكون الإنكار مُقتضياً لوقوع الفعل على العكس من هذا، وذلك إذا كان بمعنى: ما كان يَنْبَغِي لك أن تفعل نحو: «أَتَضْرِبُ زيداً وهو أخوك؟».
  ويتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه: إنكار على من ادعى وقوع الشيء، ويلزمُ
  ذلك من عطف الخبر على الخبر قوله: (لمثل ذلك) أي: المعنى فيراد بالاستفهام بها النفي. قوله: (لم يصفهم) أي: لم يخصهم بالبنين أي فهو نفي. قوله: (على مدعي ذلك) أي: إصفائهم بالبنين قوله: (لا أنها للنفي ابتداء) أي: وإنما النفي لزومي بخلاف هل فإنها تستعمل للنفي ابتداءً وهذا يخالف قولهم سابقاً إن استعمال هل في النفي مجازاً ويجاب بأنه لا منافاة أصلاً لأن هل موضوعة للاستفهام ثم فصلت واستعملت في النفي ابتداء من غير واسطة إنكار بخلاف الهمزة فإنها جعلت أولاً للإنكار ويلزم ذلك النفي، والحاصل أن الهمزة تستعمل في الإنكار ويلزمها النفي فدلالتها على النفي بواسطة استعمالها في الإنكار بخلاف هل فإنها تستعمل في النفي ابتداءً بدل الاستفهام فدلالتها على النفي بلا واسطة وهذا لا يقتضي إن هل موضوعة للنفي ولا يخالف قوله أن هل يراد الاستفهام بها النفي المفيد أن دلالتها على النفي ليس ابتداءً بل بواسطة لما علمت أن الباء للبدل كذا أجاب الشمني عن اعتراض الدماميني بالمنافاة، ولعل الأظهر حمله على ظاهره هنا، وأن الأصل فيها الاستفهام وقد يراد بالنفي الاستفهام مجازاً أي أن النفي متفرع على الاستفهام، وهذا كقولهم المراد بالاستفهام الإنكار ولا ينافي قوله أنها للنفي ابتداء لأن معناه بقرينة المقابل من غير واسطة الإنكار على من ادعى وقوع الفعل وهذا لا ينافي التفرع على الاستفهام.
  قوله: (ولهذا) أي: لكون الهمزة للإنكار لا للنفي وإنما هو لزومي لا يجوز الخ أي لأن الاستثناء المفرع إنما يكون بعد النفي قوله: (مقتضياً لوقوع الفعل) أي: بخلاف ما سبق فإنه مقتض لعدم وقوع الفعل. قوله: (على العكس) أي: بأن كان الاستفهام للتوبيخ وذلك لأنه لا يوبخ إلا على ما حصل، وقوله من هذا أي المذكور سابقاً، وقوله من هذا أي الإنكار على دعوى الثبوت قوله: (إنكار على من ادعى وقوع الشيء) أي: كالإنكار على من ادعى أن الله خصهم بالبنين قوله: (إنكار على من ادعى الخ) أي: كما في قوله تعالى {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ}[الإسراء: ٤٠]. قوله: (وإنكار على من أوقع الشيء) أي: