حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجملة الثانية: المعترضة بين شيئين لإفادة الكلام تقوية وتسديدا أو تحسينا

صفحة 423 - الجزء 2

  اعتراضان كل منهما بجملة: لا اعتراض واحد بجملتين.

  وقد يُعترض بأكثر من جملتين كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ٤٤ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ٤٥ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ}⁣[النساء: ٤٤ - ٤٦] إِنْ قُدِّرَ {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} بياناً لـ «الذين أُوتُوا»، وتخصيصاً لهم، إذا كان اللفظ عاماً في اليهود والنصارى، والمراد اليهود أو بياناً لأعدائكم، والمعترض به على هذا التقدير جملتان، وعلى التقدير الأول ثلاثُ جُمَل، وهي والله أعلم: وكفى بالله مرتين، وأما «يشترون» و «يريدون» فجملتا تفسير لمقدّر، إذ المعنى: ألمْ تَرَ إلى قصّة الذين أوتوا، وإن علقت «من» بـ «نصيراً» مثل: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}⁣[الأنبياء: ٧٧]، أو بخبر محذوف على أن يحرفون صفة لمبتدأ محذوف، أي: قوم يحرفون كقولهم: «مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ» أي: منا فريق فلا اعتراض ألبتة، وقد مرَّ أن الزمخشري أجاز في سورة الأعراف الاعتراض بسبع جمل على ما ذكر ابن مالك.


  وهي التي قالت رب إني وضعتها التي إلى آخر نظيراً لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ٧٦}⁣[الواقعة: ٧٦] نظر لأن مقتضى كونها نظيرة لها أن يكون الاعتراض في الأولى كالاعتراض في الثانية من وجه وليس الأمر كذلك لأن الذي الخ.

  قوله: (اعتراضان) أي: اعتراض في أثناء اعتراض وأما ما نحن فيه فإنه اعتراض واحد بجملتين وأجيب عن الزمخشري بأن قصده التنظير بالاعتراض بجملتين لكن لا من كل وجه على أن الاعتراض في الاعتراض لا ينافي إن المجموع اعتراض بل هو لازمه. قوله: (بياناً) أي: فمن بيانية مشوبة بتبعيض كما يدل عليه قوله إذا كان اللفظ الخ. قوله: (إذا كان اللفظ) أي: لفظ الذين أوتوا نصيباً من الكتاب عاماً، وفي نسخة إذ كان اللفظ وعلى من النسختين فهو علة لقوله إن قدر من الذين هادوا مخصصاً لهم. قوله: (أو بياناً لأعدائكم) ظاهره إنه عطف على قوله بياناً من قوله إن قدر بياناً للذين الخ، وحينئذ فيفيد أنه إذا كان بياناً للأعداء يكون الاعتراض بأكثر من جملتين مع أنه ليس كذلك كما قال فالأولى أن يتم الكلام على جعله بياناً للذين ثم يقول ويصح أن يجعل بياناً للأعداء والمعترض الخ، وقد يجاب بأن قوله أو بياناً معمول لمحذوف وإنه من عطف الجمل أي أو يجعل بياناً. قوله: (فجملتا تفسير) أي: والمفسرة غير معترضة قوله: (إلى قصة الذين الخ) أي: إلى حالهم كأنه قال ألم تر إلى الذين يشترون الضلالة. قوله: (أو بخبر محذوف الخ) أي: قوم يحرفون كائنون من الذين الخ فالخبر لم يذكره في تقديره وإنما ذكر لمبتدأ. قوله: (أي قوم الخ) أي: فقد حذف الموصوف وأبقى صفته والشرط فيه موجود وهو كونه بعض اسم مجرور بمن أعني من الذين الخ.